للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالتالي قلة متانتها ومقاومتها نسبيًّا وإن تألفت بعض أجزائها الداخلية من كتل ضخمة. وجرت هذه الأهرام على سنة هرم ونيس في نقش متون الأهرام على جدران حجرات الدفن فيها وبعض الحجرات الملحقة بها، ثم ما لبثت هذه المتون أن وجدت سبيلها إلى أهرام الملكات أيضًا، فنقشت في هرم الملكة إبوة زوجة تتي مؤسس الأسرة، وهرمي نبت ووجبتن زوجتي ببي الثاني آخر الملوك الكبار في الأسرة١ مما قد يعني زيادة مكانتهن عما كانت عليه من قبل.

ولم يتبق من تماثيل فراعنة الأسرة السادسة غير القليل، ومن هذا القليل أربعة تماثيل معبرة للفرعون بني الأول، مثله أحدها وهو صغير عاريًا في سن الرضاعة، ومثله آخر جالسًا على حجر أمه في سن الطفولة، ومثله ثالث حاثيًا على ركبتيه في سن الرجولة يقدم قربانًا لربه، ومثله رابع كهلًا يدفع عصاه بيده وبجواره ولي عهده مرنرع عاريًا في سن الطفولة. ولم يجرأ فن النحت على تمثيل هذه الأوضاع للملوك قبل عهد ببي وإنما اعتاد على أن يمثلهم في سن الرجولة الناضجة دائمًا وفي سمات أبناء الأرباب، تكسوهم القداسة ويحف بهم الجلال والوقار حيت يعتلون عروشهم في تعال وأبهة، وحين يقفون في انتصابة وشموخ، وحين يظهرون مع أربابهم في زمالة حبيبة أو بنوة رفيقة. ولم يحرم فنان ببي تماثيله من مظاهر الأبهة حتى وهو يمثله صغيرًا رضيعًا، ولكنه بدأ في الوقت نفسه ينفعل بآراء جديدة عرفها عصره ونشرحها بعد قليل، وبدأ يحس معها بأنه يمثل إنسانًا قبل كل شيء، وإن يكن إنسانًا ملكًا، فمثله عاريًا، ومثله يحن إلى حجر أمه. وبدأ يشعر بأنه لا ضير عليه في التعبير عن العلاقة بين الإنسان الملك وبين ربه بتعبيرها الصحيح فصوره جاثيًا يبتغي من خالقه الرضا وقبول قربانه وإن يكن بطبيعة الحال إنسانًا مميزًا أو إنسانًا مقدسًا٢.

وانعكس ثراء كبار الأفراد وازدياد مكانتهم السياسية والاجتماعية على آثارهم، ففاقت مقابرهم مقابر أمثالهم في عصر الأسرة الخامسة من حيث السعة والفخامة وتعدد النقوش وموضوعات المناظر. وتفرقت هذه المقابر بين جبانة العاصمة منف في سقارة وما حولها وبين جبانات حواضر الأقاليم، وكانت أفخمها هي مقابر رجال البلاط قرب العاصمة أي في سقارة والجيزة. وأشهر ما يستشهد به منها مقبرتان، مقبرة مرروكا، مقبرة كايجمني. وتضمنت أولاهما ٣٣ حجرة فوق سطح الأرض، وامتلأت أغلب جدرانها بالمناظر المنقوشة الملونة. واستحب أثرياء العصر طابع الامتلاء في حياتهم وفي نقوشهم، وأسرف عظماؤهم في الاستمتاع برفاهية حياتهم، وتعمد الفنانون حشو مناظر المقابر بتفاصيل ما كان يتحلى الأثرياء به من الشعور المستعارة والقلائد، وزادوا من تصوير تفاصيل الغدران التي كانوا يرتادونها للتريض وتفاصيل نباتاتها وأسماكها وأفراسها وتماسيحها، بل ولم يجدوا بأسًا من تسجيل تفاصيل الجنازات أيضًا ومناظر العويل والبكاء والحزن فيها. واستمتع مجتمعهم بنصيب واسع من التحرر الفكري والتحرر المعيشي، فلم يتردد


١ G. Jequier, La Pyramide D'oudjabten, Le Caire, ١٩٢٨; Les Pyramides Des Relnes Neit Et Apouit, Le Caire, ١٩٣٣.
٢ عبد العزيز صالح: "الفن المصري القديم" – في تاريخ الحضارة المصرية – ص٢٣٧ لوحة ٣٠؛ دراسات في التاريخ الحضاري لمصر القديمة – ١٩٥٧ – ص٨.

<<  <   >  >>