للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطفل يلقى حتفه بجوار أمه ولا مواطن بجوار زوجته، بعد أن هداك رب مدينتك الذي أحبك١. وقد حدث ذلك في أغلب الظن بعد فترة ما من الفوضى تكررت فيها المشكلات التي أعلن نجاحه في وقفها.

وربط ملوك أهناسيا حكام الأقاليم بهم عن طريق مرونة السياسة، واتبعوا في ذلك وسيلة بعض ملوك الدولة القديمة في تربية أبناء الحكام الكبار في قصورهم بغية أن يشربوهم ولاءهم وأن يشبوا أوفياء لهم. وكانوا يجاملون أولئك الحكام في الملمات ويشاركونهم المسرات؛ بغية أن يردوا الجميل مضاعفًا. فأشار أحد نصوص أسيوط إلى أنه عندما توفي حاكمها "بكى الملك "في أهناسيا"، وبكى أهل مصر الوسطى والدلتا، واجتمع الملك والنبلاء حين دفنه". بل وسمح الملك لابنة المتوفى بأن تتولى شئون أسيوط في طفولة ولدها وحفيده، ثم ربى هذا الحفيد في قصره. وقال الحفيد وكان يدعى خيتي٢: "سمح الملك لي بأن أتولى الحكم ولم أكن قد تعديت الذراع طولًا، ورفع منزلتي في شبابي، وسمح بأن أتعلم السباحة مع الأمراء، ولهذا أصبحت رجلًا صادق الرأي براء مما يسيء إلى مولاه الذي رباه طفلًا. ونعمت أسيوط بحكمي وأثنت على أهناسيا "نفسها وقال عني أهل مصر الوسطى والدلتا: تربية ملك ... "، ثم وصف نتيجة تربية الملوك هذه بنشاطه الاقتصادي في حفر الترع وزيادة أنصبة المزارع من المياه مع إشرافه على تنظيمها، وتعيين سقاءين لتوزيع المياه على البيوت في المدينة، وتموين أهلها في أوقات العسر وتخفيف الضرائب عنهم.

أعقب خيتي الأول ملك أهناسيا، عدة ملوك يصعب تعيين عددهم عن يقين. ثم أعقبهم فرع آخر من أسرتهم عرف اصطلاحًا باسم الأسرة العاشرة، وعندما تبلورت آمال هذه الأسرة ومضت تبغي الاتساع وازدادت أطماعها، كان حكام طيبة بدورهم قد أحسوا البأس والقوة من أنفسهم، فتخلوا عن حذرهم القديم وتطلعوا إلى اتخاذ ألقاب الملوك عوضًا عن ألقاب الإمارة القديمة. وهنا انتقل التنافس بين طيبة وبين أهناسيا من طوره السلبي إلى طوره الإيجابي، واستمر نحو ثمانين عامًا. وكانت سياسة أهناسيا إزاء حكام الأقاليم الموالين لها قد آتت ثمارها، فنفعوها في تنافسها، واعتادوا على أن يؤكدوا في نصوصهم ولاءهم للقصر الملكي وإن لم يذكروا اسم الملك غير مرات نادرة. وكان من أكبر أولئك الحكام: حكام أسيوط، وبني حسن، وأخميم، والأشمونين، وحتنوب، وحاول هؤلاء الحكام بدورهم أن يحببوا فيهم أهل أقاليمهم بغية اتخاذهم عونًا حين الشدائد، فقال حاكم أسيوط تفيبي في نصوص مقبرته: "استمعوا إلى أهل الغد، لقد كنت سخيًّا مع الناس جميعهم ... سديد الرأي، نافعًا لبلده، سمحًا مع الشاكي، إذا جن الليل "اطمأن" النائم في الطريق ودعا لي وأصبح شأنه شأن من نام في داره تحرسه هيبة عسكري ... " وأعلن الرجل مبدأ أهم من هذا، فأعلن إيمانه بأن الشخص النبيل هو الذي يستطيع أن يتفوق بمآثره على مآثر أبيه،


١ A.R., I, ٤٠٤.
٢ Ibid., ٤٠٧-٤١٣ ; Bruner, Die Texte Aus Den Graben Der Hierakleopoliten Zeit Von Siut, V, ٢٠ F.

<<  <   >  >>