للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روى خيتي لولده مريكارع قصة حربه مع الطيبيين في منطقة ثني وجبانتها أبيدوس. وندم على ما أتاه فيها وما ترتب عليه من تهديم أماكنها المقدسة، واعترف بخطئه، وكان أسلافه ينزهون أنفسهم دائمًا عن الخطإ. ودعا ولده ألا يفعل مثل فعلته، وأوصاه بأن يهادن الصعيد حرصًا على الهدوء الداخلي في مملكته، ورغبة في تأمين سبل التبادل وسبل المواصلات وسبل التجارة مع أهل الجنوب، وحتى لا يستغل الآسيويون فرصة انشغاله بالحرب الداخلية ويثورون ضده أو يهاجمونه في عقر داره، على حد قوله١.

وصور خيتي الطريقة التي اتبعها لإضعاف البدو المهاجرين وإجلائهم عن الدلتا، ودعا ولده إلى أن يترسمها، وجعل لهذه الطريقة شقين، أولهما الاهتمام ببث الروح الحربية في البلاد والعناية بمجنديها الشبان، وقال له في ذلك: "انهض بجماعة الشبان تحبك العاصمة، وزد أتباعك من الرعية، ولاحظ أن بلدك عامر بنشء غض في سن العشرين، وأن الجيل الناشئ ليسعد بمن يستوحي ضميره، "فإن فعلت ذلك وحكمت ضميرك" قلدك العامة وأتاك رب كل أسرة بأبنائه راضيًا، فبهذه السياسة حارب القدماء من أجلنا منذ أن رفعت أنا شأنهم، فارفع إذن شأن نبلائك، وعظم محاربيك، واسبغ الخير على جيل الشباب من أتباعك، واحرص على أن يتزودوا بالعطايا ويطمئنوا بامتلاك الأرض، ويكافئوا بالأنعام"٢.

ولا ندري هل كانت سن العشرين التي أشار خيتي إليها هي سن التجنيد أم لا، ولكننا نتبين في سياسة تزويد الجنود الشبان بالأراضي والنعم سياسة حكيمة تجعلهم يدافعون عن أرض لهم نصيب فيها وتطمئنهم على مستقبل أهلهم إن استشهدوا من أجلها.

أما الشق الآخر من سياسة خيتي في مكافحة البدو، فهو التضييق عليهم والحد من أخطارهم عن طريق إنشاء مدن محصنة على حواف الصحراء وعلى الحدود وتعميرها بخير الرجال يسكنونها ويزرعون ما حولها ويتحصنون بها حين الشدة ويصدون منها غارات أهل البادية، وقال له في ذلك: "لا تتهيب العدو فهو لا يغير إلا على الموطن المنعزل ولا يجرأ على مهاجمة مدينة عامرة بالسكان". ثم شجعه على اتباع سياسته وقال له: "أقم الحصون في كل المناطق الشمالية. ولاحظ أن سمعة الرجل فيما يفعله ليست بالشيء الهين، والبلد العامر بالسكان لن يمسه سوء، فابن مدنًا". ثم هون عليه شأن أعدائه البدو وضعف حيلتهم في عبارات أخرى تدل على معرفته بعاداتهم وأحوال المناطق التي يعتصمون بها وتتوافد هجراتهم منها، قائلًا له: "هذا هو شأن البرابرة، فالعدو اللعين موطنه وعر، وماؤه آسن، حزون بكثرة غاباته، سيئة طرقاته بما يكتنفها من المرتفعات، ولذلك لم يستقر في مكان واحد، واستمر دائم الترحال، وظل يشاغب منذ عهد "الإله" حور، فلا هو يغلب ولا هو يغلب"٣.


١ Pap. Petersburg ١١١٦ A, Rt., ٧١ F. ٨٠ F., ١٠٦.
٢ راجع: عبد العزيز صالح: "التربية العسكرية في مصر القديمة" – تاريخ الحضارة المصرية – القاهرة ١٩٦٢ – ص١٩٥.
٣ Pap. Petersburg, ١١١٦ A, Rt. ٩١-٩٣.

<<  <   >  >>