للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصورت جانبًا من علاقات مصر بمناطق الشام في عهدي أمنمحات الأول وسنوسرت الأول، قصة تسجيلية أدبية عرفت باسم قصة "سنوهي". وهي قصة رجل من بلاط أمنمحات ومن المتصلين بأجنحة بناته، صحب سنوسرت خلال ولايته للعهد في تجريده عسكرية إلى الصحراء الليبية الشمالية الغربية، وسمع خلال استعداده للعودة معه بنبإ وفاة أمنمحات، كما سمع لغطًا فهم منه وجود أخذ ورد بين الأمراء، واحتمل معه قيام مشاكل على ولاية العرش لا يدري كيف سيكون موقفه منها، فآثر البعد بنفسه، واعتزل الجيش خفية، وساقته قدماه إلى رحلة طويلة بلغ بها مشارف لبنان حيث طالت إقامته بجوارها سنوات طويلة، وأقدم فيها على مغامرات كثيرة، ثم حن إلى وطنه وعاد إليه شيخًا كبيرًا، وسجل قصته نثرًا شائقًا١، نستعرضه فيما بعد في فصل الأدب. ويكفي أن نستشهد من قصته هنا ببعض دلالاتها التاريخية، ومنها أن فكرة المصريين عن خشونة بدو الصحاري الشمالية الشرقية وشغبهم لم تمنع سنوهي من أن يعترف لبعضهم بالكرم والنجدة، ولم تمنع العواصم المصرية من أن تستقبل وفودًا منهم للتجارة أو للزيارة فيتعرفون فيها على شخصياتها البارزة التي يسمعون عنها. ويفهم من القصة كذلك أن اللغة المصرية، لغة سنوهي، كانت معروفة لبعض أهل الشام، وأن الرسل والتجار المصريين كانوا يترددون على نواحي لبنان حيث أقام، ويمرون بها إلى ما هو أبعد منها. وأن حكام الشام كانوا على اتصال بمجريات الأمور في مصر ويحبون أن يستزيدوا من أخبارها. وأن سنوهي اشترك بفرقة من أهل المنطقة التي نزلها في صد جماعات سمي رؤساءهم باسم "حقاو خاسوت" بمعنى حكام البراري، وهو نفس الاسم الذي أطلقه المصريون فيما بعد على زعماء الهكسوس، وذلك مما قد يعني أن بلاد الشام بدأت تتعرض منذ ذلك الحين لهجرات أجنبية عنها ليس من المستبعد أنها كانت تمثل أسلاف الهكسوس، وإن كانت هذه الهجرات لا تزال حينذاك قليلة ضعيفة.

وترتب على جهود أمنمحات الأول ورجاله وجهود سنوسرت الأول ورجاله أن غلب السلام والأمن والرخاء على أحوال مصر وعلى حدودها ومسالك تجارتها وعلاقاتها الخارجية في عهدي كل من الفرعونين أمنمحات الثاني "نوب كارع" وسنوسرت الثاني "خع خبررع" "بين ١٩٢٩ - ١٨٧٧ق. م.". وأكدت الآثار المكتشفة عمق الصلات بين المصريين وبين أهل الشام في ذلك الحين، فعثر في نواحي فلسطين وسوريا وفينيقيا، في مثل مدن جزر ومجدو وجبيل ورأس الشمرا وقطنة وعطشانة وغيرها، على تماثيل وأوان وجعارين وأختام نقشت بأسماء أفراد مصريين ترددوا على بلاد الشام وتعاملوا مع أهلها، وكان منهم رسل من البلاط الفرعوني وحكام أقاليم وأفراد عاديون لعلهم من التجار عمل بعضهم لحسابه الخاص وعمل بعضهم الآخر لحساب دولته وملكه٢.


١ A.M. Blackman, Middle Egyptian Stories, ١٩٣٢, ١ F.; Gardiner, Notes On The Story Of Sinuhe, ١٩١٦; J.J. Clere, In Melanges Offerts A Rene Dussaud, ١٩٣٩, Ii, ٨٢٩ F.; H. Goedike, Jea, ١٩٥٧, ٧٧.; ١٩٦٥, ٢٩ F.
٢ J. Wilson, “Egyptian Middle Kingdom At Megiddo”, Ajsl, ١٩٤١, ٢٣٥f.; P. Moonter, Byblas Et L’egypte; Dunand, Fouilles De Byblas, ١٩٣٩; Sidney Smith, Chronique D’egypte, ١٩٤٠, ٧٥ F.

<<  <   >  >>