للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجريًا على عادة أغلب الحكام الجدد غير ذوي الدم الملكي الموروث، تعمد نفرحوتب أن يظهر تقواه وعلمه أمام أفراد شعبه لكي يؤكد لهم أنه لا يقل عن ورثة البيوت المالكة القديمة حرصًا على التراث المجيد، فسجل باسمه نصًّا طريفًا، تحدث فيه عن رغبته الملحة في أن يزور مكتبة معبد الإله أتوم في مدينة عين شمس ليطلع في وثائقها القديمة على الصورة الأصلية لإله الغرب أوزير وهيئة جسده وأطرافه، حتى يوصي رجاله بصنع تماثيله على منوالها. وروى كيف أفضى برغبته هذه إلى رجال حاشيته العلماء فاصطحبوه إلى المكتبة حيث فتح الوثائق بنفسه وعرف منها ما لم يعرفه غيره١.ثم حضر الملك نفسه عبد المعبود أوزير في أبيدوس، وجمع كهنته وأوصاهم بعدم التهاون في مراسيم معبدهم وطقوسه، وقال لهم بعد حديث قصير: " ... أنا الملك، عظيم البأس، شديد الإدارة، لن يحيا من يعاديني، ولن يتنفس الهواء من يتآمر ضدي، لن يبقى له اسم بين الأحياء، ولسوف تزهق روحه أمام الموظفين يطرد من عند هذا الإله هو ومن لا يهتمون بأمر جلالتي ومن لا يعملون بأمر جلالتي ... "٢. ولم تكن نغمة التهديد هذه معهودة من فراعنة العهود المصرية المستقرة، ولم يكن من داعٍ لذكرها بين الكهنة ما لم تكن قد أحاطت بصاحبها الذي ولي العرش بمجهوده حركات عصيان أجبرته على أن يردد تهديده ووعيده في كل مناسبة تسنح له ولو في وسط الكهان وداخل أروقة المعابد.

وظهر من أسماء خلفاء نفر حوتب على العرش، اسم خنجر، وهو اسم غريب بعض الشيء عن الأسماء المصرية المألوفة، وتسمى به ملك أو ملكان، وقص كاهن من معاصري خنجر "الأول؟ "، يدعى "أميني سنب" قصة طريفة تكشف عن بساطة العلاقات بين الحكام والمحكومين في عهده، وقال فيها: "أتاني كاتب الوزير وهو ولده سنب، ودعاني باسم والده، فذهبت معه ووجدت الوزير محافظ العاصمة عنخو في ديوانه، فأصدر إليَّ أمرًا قائلًا: تقرر أن تتولى ترميم معبد أبيدوس وسوف يصحبك الفنانون لإنجاز هذه المهمة ويصحبك كهنة مخزن القرابين بالمنطقة ... وقام أميني سنب بمهمته ولقي جزاءه الذي ختم روايته عنه بقوله "وهكذا حققت أملي، ورضي الرب عني، وأثنى الملك علي".

وظلت قصور ملوك هذه الفترة عامرة بموظفيها وحشمها وخدمها ومراضعها وجواريها، وبأهل الموسيقى والطرب وجماعات الصناع والعمال، فضلًا عن سكانها من الأمراء والأميرات. وكانت تجري عليهم جميعهم رواتب مقررة، احتفظ سجل يومي من عهد ملك يدعى "أمنمحات سوبك حوتب" بصورة لها ضمنها تفاصيل الدخل والخرج يومًا بيوم لفترة اثني عشر يومًا. ويفهم من هذا السجل أن مخصصات القصر كانت نوعين: مخصصات دائمة تكلف بأدائها ديوان رأس الجنوب وديوان مدفوعات الناس والخزانة، ومخصصات طارئة غطت مصاريف المكافآت، والحفلات الخاصة، وكان الوزير أو من ينوب عنه هو المسئول عنها٣. وكانت واردات القصر ومصروفاته، على الرغم من كثرة الحفلات والمكافآت التي تحدث السجل عنها في فترة الاثنى عشر يومًا، هزيلة تنم عن فقر الملكية في عهدها قياسًا إلى الثراء الواسع الذي اشتهرت به ملكية الأسرة الثانية عشرة وملكيات الدولة القديمة.


١ Mariette, Abydos, Ii, ٢٨-٣٠; Breasted, Op. Cit., I, ٧٥٥.; Max Pieper, Die Grosse Inschrift Des Koenigs Neferhotep, ١٩٢٩.
٢ Mc Iver, El-Amrah And Abydos, Pl. XXXIX.
٣ Pap. Boulaq XVIII; Zaes, XXIII, ٥٦ F.; XXIX, ١٠٠ F.; LVII. ٤٦. ٧٠.

<<  <   >  >>