للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان ثمة ما يعقب به على ما أفاءه عصر الأسرة الثامنة على أهله من ثراء، وعلى عظمائهم والمقربين منهم إلى الفرعون وحاشيته وحكومته ومشروعاته الحربية والمدينة، بمعنى أدق، فهو مائل فيما تعتز به المتاحف العالمية مما كشف عنه من آثار ملوك العصر وعظمائه. وكان أسعد هؤلاء الملوك حظًّا فيما أبقت الأيام عليه من آثاره الخاصة هو توت عنخ آمون "نب خبرو رع"، على الرغم من أنه كان نكرة بين الفراعنة، ولي الحكم غلامًا بعد وفاة أخويه"؟ " آخناتون وسمنخ كارع، ولم يطل عهده غير ثمان سنوات أو تسع، بدأها بالارتداد عن ديانة آتون، وشغلها بالتقرب إلى كهنة آمون ومضاعفة ثروات معابدهم تكفيرًا عما أصابهم من هوان في عهد أخيه. ثم أسعد الحظ ذكراه بأن علت فوق مقبرته مقبرة أخرى ضخمة من عصر الرعامسة فسترتها عن عوامل النهب والتخريب حتى اكتشفت شبه كاملة في عام ١٩٢٢، وحققت لصاحبها شهرة واسعة ما كان يستحقها لنفسه. وقد تضمنت أثاثه الأخروي وبعض ما كان يعتز به من مقتنياته الدنيوية الخاصة ومقتنيات أسرته. ومن أروع ما فيها قناعه الذهبي وتوابيته الثلاثة التي شكلت على هيئته وصيغ الداخلي منها من الذهب الخالص وصفح الآخران بالذهب وطعما بأحجار شبه كريمة. ثم مقعد عرشه وصندوقه الخاص، ومجموعة رائعة من تماثيله المعدنية الصغيرة وتماثيل بعض أفراد أسرته. ومجموعات من أدوات الزينة والأواني المرمرية الشفافة تعتبر من أرق آيات الصناعة الفنية في العالم القديم كله. ولسنا ننكر ما في ذلك كله من مفخرة لا نزال نعتز بها على القدماء والمحدثين معًا، ولكن أن يكتنز شخص واحد هذا الثراء كله ويدخره لمقبرته ولآخرته، لهو الإسراف المشين. وعلى أية حال وإذا كان ذلك هو ثراء مقبرة فرعون قصير الأجل مضطرب العهد، غطت صفائح الذهب على عجلاته الحربية وسرادقاته الخشبية، فلا شك في أن ثراء مقابر أسلافه العظام كان أجل وأعظم، لولا أن تعرضت للعبث والنهب على مر العصور، ولم يبق من مدخراتها غير القليل النادر. وقل الأمر نفسه بالنسبة لمقابر كبار الأفراد من الشعب، فقليل منها احتفظت بمحتوياتها، مثل مقبرة يويا وثويا صهري أمنحوتب الثالث، ولكن قليلها يشهد في الوقت ذاته بترف واسع أثرى الفن وأغنى التاريخ، وإن كان قد تحقق لأصحابه على حساب الملايين من الشعب وسوف يكون لما تضمنته هذه المقابر وتلك وما احتوته معابد العصر من فنون النحت والنقش والتصوير، بحث موجز خاص يرد في ختام هذا الفصل.

<<  <   >  >>