للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بدأت بتحرك جماعات من شعوب البحر التي انتشرت وراء حدود مصر الغريبة في تحركات مريبة، وكان فيهم الربو والسبد وتزعمهم بعض المشاوش "المشوش" الذين عرفهم المصريون منذ أواسط عصر الأسرة الثامنة عشرة واستخدموا بعضهم كمرتزقة في جيشهم، ولكن بني جلدتهم استغلوا فترة القلاقل التي انتهت بها أيام الأسرة التاسعة عشرة وتنمروا لها، ولم تلن قناتهم حتى السنوات الأولى من عهد رمسيس الثالث، ويبدو أنه حاول أن يحل مشكلتهم بطريقة سلمية، فولى عليهم شابًّا ليبيًّا تربى في مصر، فرفضوه، ولعلهم قد اشتدت عزائمهم بنزول هجرات جديدة عليهم من بني عمومتهم الآريين، أو هم على العكس من ذلك تخوفوا من نزولهم، فنزحوا أمامهم إلى حدود الدلتا بقضهم وقضيضهم كما نزح أسلافهم في عهد مرنبتاح، وقد لاقتهم الجيوش المصرية في العام الخامس من عهد رمسيس الثالث "عام ١١٧٨ق. م" قرب وادي النطرون وردتهم على أعقابهم١، ثم اكتفت بأن أضعفت شوكتهم وتركت بعض قبائلهم يعيشون على حدودها تحت طاعتها، بل وأبقت على من كانت تستخدمهم من جنسهم في جيشها٢.

وخاضت مصر معركتين خلال العام الثامن من عهد رمسيس "١١٥٧ق. م": معركة مع المهاجرين الذين وصلوا إلى الشام عبر آسيا الصغرى وانتشروا في أرض آمور ثم نزحوا إلى أرض كنعان عن طريق البر٣، ومعركة مع من اندفعوا بأساطيلهم إلى شواطئ جنوب سوريا وربما وصلوا حتى مصبات النيل الشمالية الشرقية عن طريق البحر٤. ووصفت النصوص المصرية تحركات هؤلاء المهاجرين وخيبة مسعاهم وصفًا شائقًا، على لسان رمسيس، فقالت٥ " ... "تآمرت" شعوب أجنبية في جزرها، وسريعًا ما زالت بلاد وشردت الحرب "أهلها"، ولم تستطع بلد أن تثبت أمام أسلحتهم، ابتداء من خاتي وقدي وقرقميش وأرزاوا إلى إرس "ألاسيا" في آن واحد "أي من آسيا الصغرى وشمال سوريا وشواطئ الفرات إلى قبرص في عرض البحر"، واجتمع عسكرهم في بقعة واحدة "بأرض" آمور، فشردوا أهلها، وأصبحت أرضها كأنها لم تكن، ثم تقدموا نحو مصر، ولكن النار كانت على استعداد للقائهم. وتألف حلفهم من برستي "البلستي" والثكر والشكرش والدانيين "أو الدانونيين"، والوشاوش، واتحدوا جميعًا ووضعوا أيديهم على البلاد في مدار الأرض كلها، واستبشروا وملأتهم الثقة بأنفسهم وقالوا: سوف تنجح مشاريعنا. ولكن عقل الإله كان واعيًا وعلى استعداد لأن يقتنصهم كالطيور ... ، وهكذا نظمت حدودي في جاهي، وأعددت أمامهم الأمراء وقادة الحاميات والماريانو، وأمرت بتحصين مصبات الأنهار لتكون كالسد الكبير


١ Edgerton And Wilson, Historical Records Of Ramses Iii, ١٩٣٦, ١٩ F.; Oriental Institute Publications, Vols. Viii-Ix, Pls. ٢٧-٢٨.
٢ Ibid., Pl. ٣٤; Pap. Harris, ٧٦, ١١ F.
٣ Oriental Institute, Op. Cit., Pl. ٣٢ F.
٤ Ibid. Pl. ٣٧ F.
٥ Edgerton And Wilson, Op. Cit., ٢٥ F.

<<  <   >  >>