للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يستقر قريبًا من الحدود المصرية من شعوب البحر في أعداد كبيرة غير فريقين، وهما: جماعات الثكر وجماعات برستي أو البلستي، وقد صورت المناظر المصرية رؤساءهم ملتحين وصورت جنودهم بغير لحى، وبأغطية رأس ذات ريش، وبسيوف طويلة عريضة وخناجر مثلثة وتروس مستديرة وحراب. ونزل الثكر موانئ سوريا الجنوبية، ونزل البلستي مرتفعاتها الساحلية الجنوبية، وخلعوا اسمهم عليها، واحتفظوا لأنفسهم بسر صناعة الحديد والدروع واحتكروها دون العبرانيين زمنًا طويلًا، واحتفظ التاريخ باسمهم للأرض التي نزلوها وهو اسم فلسطين، وإن لم يرجع ذلك إلى أنهم أصبحوا غالبية أهلها أو أنهم بسطوا نفوذهم على كل أهلها، وإنما يرجع إلى أنهم كانوا من أواخر الهجرات التي دخلتها، وإلى أن ترديد التوراة لاسمهم فيها ترك أثره في تسمية التاريخ لها. وقد اندمج هؤلاء البلستيون أو الفلسطينيون في سكان كنعان الساميين شيئًا فشيئًا وأصبحوا قومية واحدة. وكان حظ إخوانهم "الثكر" أقل من حظهم في الاستقرار إذا اختفى اسمهم من التاريخ في أعقاب القرن العاشر ق. م.

وتجددت مشكلات المهاجرين على حدود مصر الغريبة في العام الحادي عشر من حكم رمسيس، ولم يحملوا له أنه سمح لهم بالمعيشة قربها طالما أعلنوا السلم والطاعة، وظهرت بينهم جماعات جديدة ذكرتها المصادر المصرية بأسماء قريبة من الأسباط والقايقاش والشايتيت والهاسا والباقان ... ، واستجاب لهم عدد من بني جلدتهم الذين عاشوا قرب غرب الدلتا وعاونوهم بزعامة شيخهم كابور وولده مشاشار. وامتد تسربهم إلى ما رواء الفرع الكانوبي للدلتا، وشتتوا أمامهم جماعات الثحنو سكان الواحات الأصليين، فاشتدت القوات المصرية عليهم وأحبطت مشاريعهم وكسرت شرتهم وأسرت مشاشار ابن قائدهم وأحرقت عليه قلب أبيه١. وبذلك انتهت محاولاتهم لدخول مصر عن طريق العنف، وبدءوا يتسللون إليها تسللًا سليمًا بطيئًا، فتسامح رمسيس معهم باسم مصر، كما تسامح من أسراهم الذين بدأهم بالشدة ثم عاد عليهم بالعفو واكتفى بإحكام الرقابة عليهم، فقال حين غضبته عليهم: "اعتقلت قادتهم في حصون تحمل اسمي، ووليت عليهم ضباطًا ورؤساء قبائل، واعتبرتهم عبيدًا مدموغين باسمي، وعومل نساؤهم وأطفالهم نفس المعاملة، ووهبت قطعانهم إلى دار آمون ... ". ثم قال عنهم بعد أن خف غضبه عليهم "وضعتهم في الحصون، ودمغتهم باسمي، وكانت جماعاتهم الحربية تقدر بمئات الألوف، وخصصت لهم مخصصات من الكساء والزاد، تصرف من الخزانة وشون الغلال كل عام ... ".

وأضافت بردية من أواخر عهده أن الشرادنة والقحق استقروا في مدنهم التي خصصها لهم، وأقام بعضهم في حصونه٢، وأقام بعض آخر وسط المزارع التي سمح لهم بها.

وأضافت بردية أخرى كتبها صاحبها بعد عهده أنه أنشأ للمجندين منهم فيما أنشأ محلة في الصعيد ليعيش فيها "الشرادنة وكتبة الجيش الملكي" على حد قوله٣. وعلى الرغم من أن هذا التساهل النسبي يعتبر مكرمة


١ Orienal Institute, Op. Cit., Pls. ٦٢ F., ٨٠ F.; Edgerton And Wilson, Op. Cit., ٥٩ F., ٧٤ F.
٢ Pap. Harris, I, ٧٦, ١١ F. ٧٨, ١٠.
٣ Gardiner, Wilbour Pap., Ii, ٨٠ F.; Jea, ١٩٤١, ٤٧.

<<  <   >  >>