للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان نهب المقابر الملكية في أواخر عصر الرعامسة مؤشرًا على سوء الأوضاع التي استغلها كبار كهنة آمون للجمع بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية في أيديهم في الصعيد والمشاركة في توجيه مصير الدولة في عصر الأسرة الحادية والعشرين، فقد كانت معاودة نهب هذه المقابر في القرن الماضي بداية لتوجيه الأنظار إلى الكشف عنها والاستدلال منها على رعاية بعض كبار الكهنة هؤلاء للسلف الصالح وحرمة الموتى. وبدأ هذا الكشف بصورة درامية مثيرة.

فقد قل ما احتوته متاحف العصر الحديث من الآثار الملكية المصرية حتى عام ١٨٧٠، ثم شهدت أسواق التحف في مصر وأوروبا منذ عام ١٨٧١ وعلى دفعات متباعدة، فيضًا من هذه الآثار، الأمر الذي نبه الأذهان إلى تقصي تحركات مهربي الآثار من الوطنين والأجانب وعملائهم المحتمين بالامتيازات الأجنبية، في المناطق الأثرية الكبرى ولا سيما في طيبة الغربية، ولم تجد التحريات البوليسية أو الشخصية شيئًا في هذا المضمار بقدر ما أدى اختلاف الأخوة من أسرة عبد الرسول أشهر مهربي الآثار والمتعاملين فيها في قرية القرنة، إلى بداية الكشف عن مخابئ أثرية قل أن شهد التاريخ الحديث ما يماثلها غنى وغرابة. فقد نم أحد أولئك الأخوة عن سر إخوته الذين خاصمهم في الاهتداء إلى بئر مقبرة عميقة صعبة المنال تقع جنوب وادي الدير البحري وتتوسط بينه وبين بيبان الملوك. وكانوا قد احتكروا سر هذه البئر ونزلوها خفية ثلاث مرات خلال نحو عشر سنوات وخرجوا منها بما ملأ أسواق التحف من البرديات والقلائد وتماثيل الشوابتي والجعلان وما إليها، وما ملأ بيوتهم من أموال كانت ثمنًا بخسًا بالنسبة إلى ما استحقته هذه الآثار من قيم تاريخية ومادية وفنية فريدة.

ولم يكن الفرنسي جاستون ماسبرو مدير مصلحة الآثار المصرية، بمصر حين نم الرجل عن سر أسرته، فناب عنه في الكشف عن المقبرة المعنية في شهر يوليو من عام ١٨٨١ وكيله هنريش بروكش ومساعده المصري أحمد كمال، وفي دهشة بالغة واجه العالم الحديث لأول مرة بعد أكثر من ثلاث آلاف عام وجوه موميات ... من كبار فراعنة الأسرات السابعة عشرة إلى العشرين وهم: سقنن رع، وأحمس الأول، وأمنحوتب الأول، وتحوتمس الأول "؟ "، وتحوتمس الثاني، وتحوتمس الثالث، وسيتي الأول، ورمسيس الثاني، ورمسيس الثالث، فضلًا عن حوالي الثلاثين من كبار كهنة آمون وكبار شخصيات الدولة الحديثة. وفي عجلة وتكتم عمل بروكش وأحمد كمال على نقل ما أمكنهما الخروج به من المقبرة خلال أسبوع واحد والاتجاه بمومياوات الملوك وكبار الكهان إلى متحف القاهرة. ثم تم نقل ما تخلف من كنوز المقبرة في يناير من عام ١٨٨٢ بإشراف ماسبرو. وفي يوليو من عام ١٨٨٦ جرى في القاهرة حفل مهيب عوض الفراعنة العظام بعض الشيء عما فاتهم من مهابة الاستقبال، وحضره خديو مصر وقيل إنه حلت أمامه أكفان فرعون مصر العظيم رمسيس الثاني ليطالع الجميع بوجهه العجوز الصلب المعبر.

ولحسن الحظ لم تشغل الكنوز الثمينة الباحثين عن دراسة تقارير موجزة كتبت بالخط الهيراطي على

<<  <   >  >>