للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطبيعة وكائناتها حيث جرت. وبدأت مدارس التصوير بالفرعون نفسه على نحو ما بدأ فن النحت به، ففتحت مغاليق قصره، وتسربت إلى مجالسه ومخادعه، وصورته على سجيته، حين يأكل في شهية، وحين يلاصق زوجته وتلاصقه، وحين يمرح معها بعربته، وحين يضم بناته في شغف، وحين يندب إحداهن في أسى، وحين يتعبد ربه في إخلاص، وحين يجود بالعطايا، وحين يتقبل الهدايا. وصورت بناته تضم إحداهن الأخرى وتداعب إحداهن الأخرى. وصورت أتباعه حين المرح، وحين التعب، وحين الهرولة. وصورت الرسل الأجانب يتدافعون إليه جثيًا وسجدًا. وأظهرت صورها كلها في مرونة وحركة نشطة، وبساطة مستحبة، وفي مزاج فردي أحيانًا. وزادت من صور الطبيعة المتفتحة، وأضفت عليها نصيبًا من روح عصرها، فصورتها طلقة باسمة، تموج بالحركة والألوان والبهجة، ورصعت بصورها جدران القصور وأرضياتها وجدران المقابر على حد سواء١.

ومارس فن التصوير حين ذاك تجارب جديدة للتوسع في إظهار وحدة المناظر واستغلال وحدة المكان. وهي تجارب اقتصرت سوابقها القديمة على المساحات الضيقة والوحدات الصغيرة والأشكال التابعة. فانطلق فنان العمارنة وأخرج صورًا ربط فيها عدة مناظر بروابط ظاهرة جعلتها سلسلة مؤتلفة واحدة٢. وصورة نشر فيها منظرًا واحدًا على ثلاثة جدران في حجرة واحدة؛ ليعبر عن وحدة المكان الذي شغلته وصورت فيه٣.

وانتهى عهد آخناتون حوالي ١٣٥٠ق. م، فعادت مدارس الفن برجالها من العمارنة إلى طيبة ولكنها لم تستطع أن تتخلى عن قواعد العمارنة الفنية دفعة واحدة، واستمرت تمارسها في عهود خلفاء آخناتون الأقربين: سمنخ كارع، وتوت عنخ آمون، وآي، وبعض عهد حور محب أيضًا.

فجرى النحت في أعقاب عهد آخناتون، على سنة العمارنة فترة غير قصيرة. وأثبت روحها الرقيقة الناعمة في تماثيل توت عنخ آمون، وفي قناعه الذهبي الكبير، ورءوس توابيته، وفيما عثر عليه في مقبرته من تماثيل صغيرة ناطقة مثلته هو وزوجته ونساء بيته المالك، ومثلت عددًا من الأرباب والربات.

وتبقى من نقوش خلفاء آخناتون المباشرين، عدة لوحات صغيرة، لأخيه سمنخ كارع وزوجته. وتوت عنخ آمون وقرينته، وكشفت كل لوحة منها عن معظم خصائص فن العمارنة، فترجمت عن آيات عشق الطبيعة، ومظاهر التنعم اللذيذ، وأخذت بالخطوط المرسلة، والرقة المتناهية، وعبرت عن أصدق ما يكون من مشاعر الود والتحاب والتعاطف بين المرء وزوجته٤.


١ Peet-Wooley, The City Of Akhenaten, ١٩٢٢, Pls. Xxxvii-Xxxix; Davies And Gardiner, Egyptian Paintings, Ii, Pl. Lxxvi; Pendlebury, Tell El-Amarna, ١٩٣٥, Pl. Viii.
٢ Amarna. V, Pl. ٥.
٣ Aldred, New Kingdom Art, ٢٦.
٤ H. Carter, The Tomb Of Tut-Ankh-Amen, London, ١٩٢٣, Vol. I, Pl. Ii; Vol. Ii; Pl. I.A-B.

<<  <   >  >>