للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

توافق عجيب لم يستطعه فنان آخر قديم. أو تمثيلهم بهيئة الإنسان كاملة مع تمييز كل منهم بشارة تدل عليه، وكان من هؤلاء الأرباب الأخارى الذين احتفظوا بالهيئة البشرية الخالصة: أتوم، وبتاح، وعنجتي، ومين، وجب، ونوت، وأوزير، وإيسة، ونبت حت، وحشات، وخنسو ...

خامسًا:

ندر أن قدس المصريون معبودًا ذا رمز حيواني باسم الحيوان المادي الذي يرتبط به، فهم لم يقدسوا رمز الصقر مثلًا باسمه الحيواني "بيك"، ولكن باسم رباني وهو "حور"، ولم يقدسوا هيئة البقرة باسمها الحيواني وهو "إحة"، وإنما باسم "حتحور"، ولم يقدسوا رمز التمساح باسمه الحيواني وهو "مسح"، ولكن باسم رباني وهو "سوبك"، ولم يقدسوا رمز الكبش باسمه الحيواني وهو "با"، ولكن بأحد اسمين ربانيين وهما: "خنوم" و"آمون" .. وهكذا كان الشأن بالنسبة لبعض رموزهم الطبيعية الأخرى، ومن أمثلتها أنهم لم يقدسوا السماء باسمها الطبيعي وهو "بت"، ولكن باسم ربتها "نوت".

سادسًا:

كانت بعض أسماء معبوداتهم التي أسلفناها، صفات في جوهرها أكثر منها أسماء، فاسم "حور" يعني العالي أو البعيد، واسم "سخمة" يعني القادرة أو المقتدرة، واسم "أتوم" يعني الكامل والأتم المتناهي، واسم "آمون" يعني الحفيظ والخفي، وما إلى ذلك من أسماء يعز علينا تفسير معانيها بالتحديد.

تلك إذن هي بعض الخصائص التي أخذت الطوائف المتنورة بها في تعليل ما بين المعبودات وبين رموزها، وتوضيح صفاتها. غير أنه ينبغي أن نقدر إزاءها أن العجز البشري، وعجز الإنسان القديم من طوائف العامة بخاصة، لم يكن يسمح بتحكيم المنطق والأليق دائمًا فيما يأتيه جمهرة الناس من أمور العبادة، فالشخص العادي قد يؤمن فعلًا بوجود إله عظيم في السماء يدعى "رع" أو يدعى "حور"، وإله خفي يدعى "آمون"، ولا يتردد في أن يعظم اسمه ويسلم بقدرته على العطاء والمنع والخير والشر، ولكنه إذا فجأه البؤس والضر وجد نفسه أقرب إلى التوجه إلى المحسوس الملموس من المقدسات المادية في بيئته، منه إلى التوجه إلى رع في علاه أو آمون في خفائه، وحينئذ قد يجد هذا المحسوس الملموس في ضريح مقدس في حيه. أوفي تمثال لا ينادي رع في علاه أو آمون في خفائه، وحينئذ قد يجد هذا المحسوس الملموس في ضريح مقدس في حيه. أو في تمثال بساحة معبد قريب منه، أو في حيوان بمزار ما، أو في شيء وهمي لا صلة له إطلاقًا بمعبد، وحينذاك لا ينادي رع العالي في سماه، بقدر ما يضرع إلى الروح التي تسكن شجرة الجميز في قريته، أو الحية التي تسكن قمة الجبل في منطقته. حتى إذا اشتد الضر به أو انصرف عنه لا يجد بأسًا من ثم في أن يتوجه بقربانه ونذرة إلى شجرة الجميز أو قمة الجبل، وليس إلى معبد الرب كما ينبغي أن يكون١.


١ انظر أيضًا: أدولف إرمان: ديانة مصر القديمة - معرف بالقاهرة - ١٩٥٢.

<<  <   >  >>