بمدى استمرار الإمكانيات البكر في أرضها، ومدى ما توفر لشعبها من قدرة
على الإبداع المادي والمعنوي في فتوتها، ومدى ونوع التحديات والأزمات التي واجهتها وأظهرت قيمة معدنها. وتتفاوت مصائر الحضارات في مراحل شيخوختها تبعًا لما أسست به بنيانها في مراحل نشأتها وشبابها وازدهارها. وتتعاقب عليها خلال المراحل السابقة كلها ظروف داخلية وظروف خارجية قد تشجعها على الطفرة حينًا، وتجبرها على التراخي حينًا، وتدفعها إلى الانطواء أحيانًا. ودورتها لا تكاد تختلف في ذلك كله عن دورة الحياة للكائن الحي إلا فيما جرت به سنة الخلق من انتهاء الكائنات الحية بعد الشيخوخة إلى زوال، على حين استطاعت بعض الحضارات والشعوب أن تسترجع شبابها بعد شيخوختها مرة ومرات، ونجحت في أن تفيق من نهاية دورة تاريخية لتستأنف دورة أخرى مزودة بعزمات جديدة ومستعينة ببعض خبراتها القديمة التي تغنيها عن الرجوع إلى تجارب النشأة والبدء بها مرة أخرى. وكان حضارات وشعوب الشرق الأدنى، على رأس هذا البعض من الحضارات والشعوب، فتعددت دوراتها واستعادت شبابها عدة مرات.