للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روت هذه الأسطورة أن الإله رع بعد أن أوجد نفسه بنفسه وخلق الوجود وتملك أمور الأرباب والبشر، تقدمت به السن، فتآمر ضده جماعة من أشرار الناس كفروا بنعمته وانتشروا في الأرض، فآلمه كفرهم وجمع كبار الأرباب عنه وقال لهم "تأملوا الناس الذين خلفوا من عيني يدبرون أمرًا ضدي. فأفتوني بما ترون". فأفتاه شيخهم نون بألا يواجه العصاة بشخصه خشية أن يهلكوا وتفنى الدنيا معهم، وأوصاه بأن يرسل عينه على من يجدفون في حقه، فعمل رع بمشورته وسلط عليهم عينه، فتشكلت العين تفنوت في هيئة الربة حتحور، وفتكت بالعصاة، وشربت من دمائهم واستمرأت طعم الدم ولذة الانتقام، فبدأت تأخذ الأبرياء بجريرة العصاة، وأوشكت أن تفني البشر أجمعين، لولا أن تدارك الرب الناس برحمته وأوحى إلى أوليائه بأن يتحايلوا على فتاته العاتية وطلب منهم أن يجهزوا سبعة آلاف إناء من الجعة، وأن يرسلوا عداءين سريعين يجرون كما يجري ظل الجسم، ليسرعوا إلى أسوان ويحضروا منها مسحوقًا أحمر اشتهرت به، لعله أوكسيد الحديد، ثم أوصاهم بأن يخلطوا هذا المسحوق بالجعة، ولما أهل صباح اليوم الموعود الذي اعتزمت حتحور فيه إفناء البشر، قال لهم أسكبوا الجعة في المكان الذي قالت إنها ستهلك البشر فيه. فرووا الحقول بها حتى ارتفعت نحو قبضة. فلما رأت حتحور المزيج الأحمر حسبته دمًا مسفوحًا ونظرت إلى وجهها الجميل فيه فانتشت وأوغلت فيه وشربت منه بشره حتى خدرت وتراخت عن التمادي في القتل، وأنجي الناس من بطشها١. أما من بقي ممن تمردوا على خالقهم فقد ذكرت أسطورة مماثلة أنهم تخوفوا نقمته فتفرقوا شر فرقة وفر فريق منهم إلى الجنوب حيث أصبحوا السلف القديم للنوبيين، وهرع آخرون إلى الشمال فكانوا أسلافًا للآسيويين، في حين نشأ الليبيون من الفارين إلى الغرب، وأسلاف البدو من اللائذين بالشرق٢.

وهكذا قامت عقدة الأسطورة على الإيحاء بأن رحمة الرب غلبت نقمته، وأن ما حدث من شر في تمرد خلقه عليه كان سببًا في عمران بقية الكون، وقد يتأتى بعض الخير من الشر أحيانًا، وذلك فضلًا عما صورته من عنف تفنوت أو حتحور ورمزت به إلى أن للإناث بطشة دونها بطشات الرجال.


١ Roeder, Urkunden Zur Religion Des Alten Aegypten, ١٤٢.
٢ Naville, Textes Relatifs Au Mythe D’horus, ٢١, ٢ F.

<<  <   >  >>