للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو العصر الحجري الحديث، وذلك باعتباره البداية الواضحة للتخصص الإقليمي بين أقطار الشرق القديم بعامة، وباعتباره ممثلًا لمرحلة فجر التاريخ في كل من مصر والعراق بخاصة، وممهدًا لبداية العصور التاريخية التي أعقبته فيهما.

وانحصرت مصادر الدهور الحجرية القديمة فيما مر بنا، فيما تركه إنسانها الأول من أدوات بدائية، كان أغلبها من الحجر، وما تركه في مناطق سكناه العتيقة من آثار المواقد وبقايا أسنان المناجل وقطع المراحي، ثم ما خلفه من رسوم بدائية تغني باحثها من حيث اتصالها بطفولة الفن الأولى، وبعقائد الدين وتخيلات السحر القديم، فضلًا عن أنها احتفظت في مناظرها بما يصور بعض حيوانات البيئات القديمة ووسائل الإنسان في مواجهتها وفي صيدها.

أما عصر فجر التاريخ بخاصة، فقد زادت مصادره المادية نتيجة لاستقرار حياته الزراعية، فتعددت آثار الحرف الأولية التي مارسها أهله وتخصص بعضهم فيها، مثل أدوات الزراعة والأواني الفخارية والحجرية والصلايات والسلال والمنسوجات البسيطة، وبدايات المصنوعات النحاسية المتواضعة، ونماذج الرسوم والنقوش والتماثيل الصغيرة. وقد استمرت كل هذه الآثار غفلًا من الكتابة، وظل أولاها بالدراسة في نظر الأثري والمؤرخ للدلالة على التتابع الزمني والتطور الصناعي والتطور الفني خلال العصر الحجري الحديث، هي الأواني الفخارية، تستوي في ذلك الأواني الغفل ذات الأشكال المتطورة، والأواني ذات الرسوم والنقوش المعبرة.

ثانيًا- بداية العصور التاريخية: وتسمى اصطلاحًا كذلك باسم عصر بداية الأسرات، والعصر العتيق. وقد بدأ عصرها حوالي القرن الثاني والثلاثين ق. م، وامتد إلى عام ٢٧٨٠ق. م أو نحوه، وامتاز تاريخيًّا ببداية استقرار وحدة مصر السياسية الكاملة منذ أوائله، وبمعرفة الكتابة منذ بدايته، وبظهور المصادر التاريخية المكتوبة فيه لأول مرة تبعًا لذلك. كما يعتبر عصر التكوين بالنسبة لنظم الحكم وأوضاع الإدارة، وقد تعاقبت خلاله على عرش مصر الأسرتان الحاكمتان الأوليتان من الأسر الفرعونية في مصر القديمة.

ثالثًا- عصور الدولة القديمة: وهي عصور بدأت بعض الأسرة الحاكمة الثالثة في أوائل القرن الثامن والعشرين ق. م، وامتدت حتى نهاية عصر الأسرة السادسة "أو بعده بقليل" في أواخر القرن الثامن والعشرين ق. م. واتصفت أغلب عهودها بالاستقرار السياسي النسبي ومركزية الحكم. وتميزت مظاهر الحضارة فيها بالنمو الداخلي المتصل في شئون العمارة والفنون وتنظيمات الإدارة وعقائد الآخرة. واستقرت مبادئ ذلك كله دونما تأثيرات خارجية ملموسة. وتمثلت أغلب آثار هذه العصور في مقابرها الفخمة وأهرامها الرائعة التي انتشرت حول عاصمتها منف، فيما يمتد بين ميدوم ودهشور وسقارة والجيزة جنوبي القاهرة الحالية، فضلًا على ما تناثر من آثارها في بقية مناطق القطر الأخرى.

رابعًا- عصر الانتقال الأول "أو عصر اللامركزية الأولى": وكان عصر انتقال من وحدة الحكم إلى تفرق وجهات الحكام، ومن الاستقرار إلى القلقلة، ومن ضخامة إمكانيات الدولة إلى قلتها، وإن

<<  <   >  >>