للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معايشهم واعتبروا أنفسهم من أصحاب البلاد وخاصة أهلها، وقال الحكيم في ذلك: "تخربت الأقاليم، وتوافدت قبائل قوالسة غريبة إلى مصر، ومنذ أن وصلوا لم يستقر المصريون في أي مكان"، ثم قال والألم يحز في نفسه: "وأصبح الأجانب مصريين في كل مكان ... "وأولئك الذين كانوا مصرين أصبحوا أغرابًا وأهملوا جانبًا". وكان من الطبيعي أن يعز الأمن في البلاد، وقد قال عنه: "يقولون" الطرق محروسة، ولكن القوم يختبئون على الأشجار حتى يأتي سار بليل فينهبون ما يحمله ويسلبونه ما عليه، ويشوهون وجهه بالعصا، وربما قتلوه ظلمًا"، وقال: "إذا مشى ثلاثة في طريق وجدهم الناس اثنين، فغالبًا ما تذبح الأكثرية الأقلية".

وتخاصم حكام الأقاليم بعضهم مع بعض واستأثر أغلبهم بثروات أقاليمهم، وامتنعت عن خزائن الحكومة المركزية ضرائب أغلب مناطق الصعيد القصية وقال إبوور في ذلك: "الحق أن أسوان وجرجا في أرض الصعيد لم تعودا تؤديان الضرائب نتيجة لشيوع الفتن، فعز الغلال ... ومنتجات المصانع فكيف يسير بيت المال إذن بغير موارده؟ " وقال: "قلت سفن الصعيد، وتخربت المدن، وأصبح الصعيد خرابًا يبابًا".

وتوقفت سبل التجارة الخارجية مع غرب آسيا بعد أن هددتها الفوضى والهجرات الأمورية، وقال إبوور عنها: "ماعاد أحد يبحر اليوم نحو جبيل، فما الذي سوف تفعله إذن بخصوص أخشاب الأرز "التي اعتدنا أن نصنع منها" توابيتنا، والزيوت التي يحنط الكبراء فيها، "وترد من" هناك، ومما يجاوز كفتيو. ما عاد يأتي من ذلك شيء حتى أصبح مجيء أهل الواحات بمنتجاتهم "البسيطة" شيئًا ذا بال".

نشبت الثورة من جراء هذه العيوب كلها، وصحبها في بدايتها نوع من العنف ورغبة الانتقام، ورغبة التنفيث عن الغضب المكبوت، ويبدو أن أعوزتها الزعامة التي توجهها الوجهة السليمة، فاستغلها بعض الغوغاء وأهل السوء، وقال إبوور وهو يصف بدايتها "قال حراس الأبواب "بعضهم لبعض" فلننطلق وننهب ... ، وأبى الغسالون أن يحملو أحمالهم ... ، وتسلح صيادو الطيور بأدواتهم، وتترس أهل الدلتا بالتروس ... ، وحدث شيء قدر منذ عهد حور وزمن التاسوع".

أغرب إبوور في وصف سوء الحال والمآل، ووصف ما شاء له الوصف شدة الاعتداءات على حرمة الملكية ومقدساتها ودواوينها ودور قضائها، وقال عن هذه الأخيرة: "فتحت الدواوين وسلبت كشوف الإحصاء وأتلفت سجلات كتبة المحاصيل" وقال: "ألقيت قوانين دار القضاء في العراء، ووطئت بالأقدام في الشوارع، ومزقها الغوغاء في الأزقة، وأخذ العوام يروحون ويجيئون في دور "القضاء" الكبيرة، ونُفي القضاة في الأرض، واحترقت البوابات والأعمدة والأسوار".

وقال في شيء من التهويل والمبالغة: "أصبح الرجل ينظر إلى ولده كأنه عدوه، ... وساءت الوجوه، وتأهب القواس، واستشرى النهب في كل مكان وما عاد لرجل الأمس وجود ... "، وقال: "قست القلوب، وغزا الوباء الأرض "وسرى" الدم في كل مكان، وأصبح مجرى النهر قبرًا، وغدا كان التطهر فيه بلون الدم، وإذا قصده الناس ليرتووا منه عافوا جثث البشر وظلوا على ظمئهم إلى الماء". وعز الأمن

<<  <   >  >>