اللوحات الحجرية واللخاف المكتشفة، من قصص وأساطير، وتعاليم وقصائد وفلسفات، وطب وفلك ورياضيات، ودروس تعليمية، فضلًا عما أمكن استنتاجه من عمليات التحنيط من الجثث الباقية، وما أمكن استخلاصه عن مبادئ الهندسة النظرية والتطبيقية من المنشآت المعمارية الكثيرة القائمة.
وعبر عن عقائد مصر القديمة الروحية، التعبدية منها والأخروية، ما تضمنته مخطوطات البردي أيضًا ونقرش المعابد والمقابر ومناظرها، من نصوص الدعوات والأناشيد وهيئات التعبد وصور الحساب والتصورات عن الآخرة، وتميزت منها تراتيل نصوص الأهرام ومتون التوابيت وكتب الموتى، فضلًا عما رمزت إليه تماثيل المعبودات وصورهم، والصفات التي نسبت إليهم، والألقاب التي حملها كهنتهم.
وعبر عن فنون مصر الإنشائية وفنونها الصغرى والتطبيقية، ما بقي من عمائر أهرامها ومعابدها ومساكنها وحصونها ومقابرها، ومناظرها المنقوشة المصورة، وتماثيلها، فضلًا عن أدوات الترف والزينة التي عثر عليها في مقابرها وبقايا مساكنها.
أما شئون الحياة اليومية العادية في العصور المصرية المتعاقبة، فقد صورت جوانبها النظرية، مناظر الزراعة والصناعة والتبادل التجاري والمناظر الأسرية المسجلة على جدران المقابر. وعبر عن جوانبها العملية الفعلية ما عثر عليه من أدوات الاستعمال اليومي في المساكن والمقابر، والنماذج الصغيرة التي قلد الصناع بها وجسموا فيها هيئات مصانعهم ومخازنهم ورمزوا بها إلى سيل العمل فيها. ثم الرسائل الشخصية وصيغ الشكاوى ونصوص القضايا التي صورت انفعالات أهلها ومشاعرهم، وعلاقات بعضهم ببعض. ثم عبر عن اتصال ما بين هذه الحياة القديمة بين المجتمع المصري الحديث من أواصر، ما بقي حتى الآن من ألفاظ ومسميات وعادات يمكن ربطها بما جاءت به المصادر السابقة جميعها، مما هو مكتوب وما هو مصور ومرسوم.
ومن مصادر الحياة السياسية الداخلية والخارجية في تلك العصور التاريخية المتتالية، التواريخ الرسمية التي سجلها الكتبة والمؤرخون المصريون بأمر حكامهم وبأسمائهم، منذ أوائل عصورهم التاريخية على جذادات من البردي والخشب والعاج بأحداث مفردة أحيانًا، ثم في قوائم متصلة منقوشة على النصب الحجرية وجدران المعابد، وقوائم أخرى مخطوطة على صفحات البردي أحيانًا أخرى. ومن أهم ما عرف حتى الآن من هذه وتلك ما يسمى اصطلاحًا بأسماء قائمة حجر بالرمو من القرن ٢٥ق. م، وقائمة الكرنك من القرن ١٥ق. م، وقائمة أبيدوس وبردية تورين من القرن ١٣ق. م. وقد اكتفت بعض هذه القوائم بتسجيل تتابع أسماء الملوك، بينما أضاف بعضها إلى أسمائهم ذكر فترات حكمهم بالأعوام والشهور والأيام، كما تضمن بعضها الآخر وهو الأهم ما اشتهرت به عهودهم من منشآت خاصة وعامة، وأعياد وحروب وبعثات تجارية١.
وإلى جانب هذه القوائم التاريخية الرسمية، عمل الكتاب والمؤرخون والفنانون في عهد كل فرعون على أن يسجلوا مآثره وأعماله وحروبه، فضلًا عن آيات تقواه، على جدران المعابد التي أنشئت في عهده
١ راجع عن التفاصيل: عبد العزيز صالح: التاريخ في مصر القديمة – مفهومه وعناصره وبواعث القومية فيه – القاهرة ١٩٥٧ – وحضارة مصر القديمة وآثارها – جـ١ – ص٢٣٣ - ٢٤٤.