للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستهوت تماثيل النساء الأوائل، كما ظلت تستهويهم في كل عصر، فرمزوا بها إلى رباتهم، وعبروا بها عن بعض شخصيات مجتمعهم، وعن جمال الأنثى بوجه عام. ولم يبلغ أغلب هذه التماثيل حد الإجادة ولكن بعضها لم يخل من الوقت ذاته مما يعبر به عن محاولات فنية ترمي إلى تقليد الطبيعة أحيانًا في صدق تمثيل بروز النهدين وانسياب الشعر النسوي الطويل المرسل١.

ومن خير ما افترضت نسبته إلى هذا العصر من تماثيل النساء، وجه حجري لأنثى عثر عليه في الوركاء٢ يمكن اعتباره مفخرة لعصره إن صحت نسبته إليه فعلًا، بل وقلما بلغ الفن العراقي مبلغ إجادته في تاريخه كله. وقد نحت بحجم يقرب من حجم الوجه الطبيعي "ويبلغ ارتفاعه ٢٠ سم" ويبدو أنه كان ملونًا، وتظهر دقة التمثيل فيه في رقة تكوين ملامح صاحبته ونعومة خديها ورقة شفتيها وخطوط ذقنها ونقوش حاجبيها وانسياب الخصل الرقيقة من مفرقة شعرها على جبهتها، وكانت فجوات عينيها وحاجبيها مطعمة، كما كانت خصل شعرها مكسوة بطبقة معدنية رقيقة. وقد استقامت خلفية الرأس وبقيت فيه ثقوب كانت تستخدم لتثبيته في جسم تمثال صاحبته.

وواصل التطور المعماري طريقه حينذاك في أبنية المعابد والمساكن الرئيسية في عصره. واحتفظت أرض الوركاء، بأطلال معبد عرف باسم المعبد الأبيض٣، أقامه أصحابه من اللبن لمعبودهم آن في نهاية بواكير العصر الكتابي، فوق تل صناعي يرتفع نحو اثني عشر مترًا عن مستوى السهل الممتد حوله ويشرف عليه. وسوروا جوانب هذا التل بسور ذي مشكاوات، واعتبروه فيما يحتمل بديلًا عن أمثال مسطح معبد إريدو، أو هم اعتبروه على الأرجح نموذجًا لأصله الجبلي القديم. يؤدي إلى سطحه طريق صاعد ودرج طويل بقي جزء منه، وتوسط المعبد الأبيض التل واستكملت جدرانه هيئة المستطيل وتشكلت على هيئة مشكاوات متتالية، تعاقبت في كل منها عدة مستويات داخلية، بنيت باللبن كالعادة ودعمتها فلوق نخيل قصيرة، ثم كسيت بملاط أبيض. وتوسطت المعبد مقصورته الرئيسية وتضمنت في داخلها عنصريها الرئيسيين، وهما المذبح ومائدة القربان، ولكن مذبحها كان ذا درج وبلغ ارتفاعه أكثر من متر، وجاور مائدة القربان فيها موقد منخفض نصف دائري. وأحاطت بالمقصورة بضع حجرات فصلت بينها جدران ذات مشكاوات نصفية، وزينت بالمخاريط الملونة - وألحقت بالمقصورة به معابد صغيرة أخرى. وفي بعض مداخله الإضافية شكلت في المعبد أعمدة كاملة وأخرى نصفية المقطع. واستمر تل هذا المعبد باقيًا حتى احتوته أسوار معبد آن الكبير في العصور الهيلينستية، أي بعد بداية البناء فوقه بنحو ثلاثين قرنًا، وقد يعني ذلك أنه كان يرتبط بقداسة خاصة عند أهله أدت بهم إلى المحافظة عليه.


١ Frankfort, Op. Cit., Pl. ٩ B.
٢ U.V.B., Xi, Pl. I “Vorlaufiger Bericht Uber Die Von Der Deutschen Forschungsgemeinschaft In Uruk- Warka Unternommenen Augsrabungen..., ١٩٤٠”.
٣ U.V.B., Viii, “١٩٦٣”, Abb. ١٣, Taf. ٤٠ F.; Mitt. Der Deutschen Orient-Gesellschaft, Nr. ٨٣ “١٩٥١”.

<<  <   >  >>