للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجرى السومريون على عادة أهل بواكير العصر الكتابي الذين سبقوهم في مجالات الحضارة بالعراق، في تشييد بعض هياكل أربابهم فوق مسطحات مرتفعة، وصوروا الأرضيات التي يعتليها أولئك الأرباب في مناظرهم الدينية، على هيئة مدرجات الجبال وكومات الأحجار، وذلك مما يعني أنهم شاركوا أصحاب حضارة الوركاء، أو حضارة بواكير العصر الكتابي، في فكرة تعويض معابد آلهتهم عن قممها العالية في بيئاتهم الجبلية القديمة بالمسطحات الصناعية العالية في سهول العراق. وقد يتصل بهذه الظاهرة الجبلية ما جروا عليه من تسمية مبعد إلههم إنليل في مدينة نيبور السومرية باسم "إكور" وهو اسم يحتمل أن يعني معنى "البيت الجبلي"، ثم ما وصفوا به ربتهم إنانا في إحدى أساطيرهم بأنها ملكة السماء الجليلة التي تسكن "جبال" الأرض الحالية شوبا، وروايتهم عن معبودهم أوتو رب الشمس، في الأسطورة نفسها، رغبته في أن يشيد أتباعه معبدة متساميًا "كالجبل" المقدس ويكون مزاره فيه كالغار، وأن يجلبوا له أحجاره من جبال أرتا "في إيران" لبنائه١.

ومرة أخرى قد يتصل بهذا الأصل الجبلي المفترض، وصلة أسلافه السومريين المقترحة بمرتفعات إيران، ما استشهدنا به من صلة بعض الأرباب السومريين بدنيا المرتفعات. ثم ما أتت به أسطورتان لملك سومري يدعى إنمركار اعتبرته القوائم السومرية المتأخرة ثاني ملوك الأسرة الأولى في مدينة أوروك بعد الطوفان٢. وقد روت إحداهما أن الربة إنانا قد اصطفته من بلاد شوبا الجبلية، ثم وصفته بأنه المحتبى بالإمارة في البلاد "الجبلية المحصنة"، وأنه الراعي الذي ولدته البقرة الأمينة في "جوف الجبال". وكل ذلك مما يحتمل معه الربط بين أصول الرجل وأسطورته وبين منطقة ما من مناطق المرتفعات، وروت الأسطورتان أن ملكهما إنمركار كان على علاقة بمدينة أرتا وملكها، وهي مدينة تقع في منطقة جبلية بعيدة افترض صمويل كرامر أنها منطقة أنشان في بلاد عيلام "في إيران"، وسمحت له هذه العلاقة بأن يطلب من ملكها أحجارًا ومعادن ثمينة لبناء معباد أربابه وزخرفتها، في مقابل تصدير الغلال إليه، ولو أنه يبدو من الأسطورتين أن روح التنافس الخفي بين الملكين جعلت كلًّا منهما يتعالى على الآخر في طلبه ويضمر له الغدر في نفسه.

وبناء على هذه المشكلات والشبهات، اتجهت الآراء في تخمين أصل السومريين إلى عدة مذاهب، كان منها ما افترض أصحابه أن أجداد السومريين هاجروا إلى العراق من المرتفعات الشمالية والشمالية الشرقية التي تحف به، عن طريق أرمينيا وإيران. ولو أنه يمكن أن نستبعد أرمينيا أساسًا من هذا الفرض، على اعتبار أنه كان من المستبعد أن يهبط المهاجرون منها وهم أولو قوة ويتجاوزوا المناطق الصالحة للاستيطان القريبة منها في شمال بلاد النهرين ليذهبوا بعيدًا عنها ثم يستقروا في الأجزاء الجنوبية التي كانت أطرافها لا تزال حينذاك وحشية الطابع تتطلب مجهودات كبيرة لتهذيبها وتيسير الانتفاع بها. ومن المعروف أن الأطراف


١ صمويل كرامر: من ألواح سومر - لوحات ١٤ - ١٦.
٢ المرجع السابق - لوحات ١٤ - ١٦، ٧١، ٧٨ Kramer, Jaos, ٦٣ “١٩٥٢”, ١٩١ F.

<<  <   >  >>