للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإغريقي توصي بكتابة القرار بالكتابة المقدسة أي الهيروغليفية، والكتابة العامة أي الديموطية، فضلًا عن الكتابة الإغريقية، وذلك مما نم عن أن الكتابات الثلاث ليست غير ثلاث نسخ لقرار واحد. ووجد أولئك الباحثون ألفاظا كررت عدة مرات في النص الإغريقي وحاولوا التعرف على مرادفاتها في الكتابة المصرية، ومنها اسم بطلميوس نفسه، وألفاظ المعابد، والكهنة، إلخ. ولما كانت أسماء الأعلام لا تتغير حروفها تغيرا كبيرا بين لغة وأخرى، بدءوا بالتعرف على مرادف اسم الملك بطلميوس في الكتابة المصرية، ويسر ذلك لهم أن المصريين اعتادوا على تضمين أسماء الملوك في إطارات مستطيلة ملفوفة الأركان يطلق عليها اصطلاحا اسم الخراطيش. وبمقارنة هذا الاسم في نصي اللغتين الإغريقية والمصرية اهتدوا إلى التعرف على مدلول بضع علامات وحروف مصرية. ثم تكررت المحاولة على نقوش مسلة مصرية نقلت إلى بريطانيا في عام ١٨١٩ ونشرت صور نقوشها الهيروغليفية ونقوش أخرى إغريقية سجلت على قاعدتها، في عام ١٨٢١. وتضمنت هي الأخرى اسم بطلميوس واسم كليوباترة. وبالجمع بين الحروف المشتركة في الاسمين، وضح ثلاثة عشر حرفا ذات اثني عشر صوتا. وكانت محاولات أولئك الباحثين بمثابة مفاتيح أسرار اللغة المصرية التي استغلقت على من سبقوهم قرونا طويلة. واستمرت المحاولات حينذاك لقراءة أسماء مصرية وإغريقية ورومانية، مثل تحوتمس والإسكندر وبرينيكي ودوميشان وتراجان. واتصلت الدراسات بعد ذلك على الآثار وصفحات البردي جيلا بعد جيل، حتى أصبحت اللغة المصرية تعرف اليوم بما لم تعرف به لغة قديمة أخرى من الصحة والوضوح١.

مر التنقيب عن الآثار الدفينة في عدة مراحل خلال القرن الماضي والقرن الحالي٢. فبدأ بمرحلة شغلت النصف الأول من القرن التاسع عشر، واستغلها طائفة من الأجانب كان أقلهم من المتخصصين العلماء وأكثرهم من الهواة وتجار الآثار بل ومن الأفاقين الذين اجتذبتهم شهرة كنوز مصر وفنونها وعجائبها، وشجعهم استعداد المتاحف الدولية وكبار الأثرياء العالميين على شراء كل ما يعرضونه عليهم منها. وعن طريقهم انتقلت كنوز كثيرة إلى الخارج. وأخذت الحكومة المصرية تهتم بالآثار منذ الربع الثالث للقرن ١٩، وتنبت فكرة إنشاء إدارة تُعنى بها منذ عهد محمد علي، ولكن هذه الفكرة تعثرت واكتفى الولاة بتخزين الآثار المكشفة في دار بالأزبكية حينا، وفي القلعة حينا آخر، حتى أحيا أوجست مارييت الدعوة من جديد في عهد سعيد، وأنشأت مصر متحفا منظما لأول مرة كان مقره في بولاق عام ١٨٥٩، وانتقل منها إلى الجيزة، ثم استقر في موضعه الحالي منذ عام ١٩٠٣، ونشط التنقيب عن الآثار في هذه الفترة بموافقة الدولة، وظهر جيل من الآثاريين واللغويين والمؤرخين، راعوا الحرص حين التنقيب عن الآثار وحين تجميعها، وراعوا الحرص على التعجيل بتسجيلها ونشر أوصافها ودراسة نصوصها. وقدروا الأهمية لكل شيء براقا كان أم غير براق.


١ Jea, ١٩٥٨, ١٢٣; A.H. Gardiner, Egyptian Grammer, ١٩٥٧, ١٢-١٥.
أدولف إرمان وهرمان رانكه: مصر والحياة المصرية – المقدمة ج – د
٢ Glanyille, The Growth And Nature Of Egyptoloy, ١٩٤٧, G.E. Daniel, A Humdred Yaers Of Archaeology, ١٩٤٩; F. Li. Griffith, “The Decipherment Of The Hiercglyphs” Jea, Xxxii, ٣٨f.; J.A. Wilson, Sings And Wonders Upon Pharach. ١٩٦٤; M. Pepe, The Story Of Archaealogical Decipherment, ١٩٧٥, ٦٠f.

<<  <   >  >>