للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مترددًا وهو يحسب للعريف ألف حساب، وعند دخوله يحرص على تحية المعلم، ثم يستظهر لوحة في فترة الصباح، وبعد أن يتناول غذاءه، يكتب لوحة الجديد أو يستكمله، وفي العصر يتلقى درسه المكتوب، وبعد الانصراف يعود إلى داره فيطلع أباه على درسه وعلى ما استظهره في يومه. غير أن مجهوده لم يكن يعفيه من أذى الضرب في المدرسة جزاء الثرثرة وكثرة الحركة أو جزاء الهرب أو لرداءة خطه. ولم يكن لمثله إلا أن يلجأ إلى أقصر الطرق، فأشار على أبيه بدعوة المعلم في داره ومهاداته، فاستجاب الأب وأكرم المعلم وكساه وأهداه. ويفعل الاسترضاء فعله، فما أن يعيد الولد قراءة ألواحه أمام معلمه حتى يستبشر المعلم ويعلن رضاه عنه ويبرر هذ الرضا بما تبينه من طاعته وعمله بإرشاداته ويبشره بمستقبل باسم يتفوق فيه على أقرانه بعد أن أصبح من مريدي المعرفة.

وبغير أن نفسد جمال الصورة التي رسمناها للآداب السومرية، لا بأس من أن نضيف إليها حقيقة واقعة، وهي أن ما استشهدنا به منها يمثل إنتاجها الرقيق وحده، أما غثها فكثير. وفيما بين الغث والثمين وقع أدب ديني أسطوري صور كيد الأرباب السومريين بعضهم لبعض وإسفاف بعضهم مع بعض وذلك بما يمكن تعليله بأن السومريين الأوائل عاشوا لفترات طويلة أمام الطبيعة وجهًا لوجه، ووجدوها طبيعة صاخبة بهيمية غير متميزة، فألصقوا نفس الصفات بأربابها، ثم تعدوا هذه المرحلة من التفكير بعد أن تهذبت حضارتهم، ولكنهم لم ينسوا تمامًا تصورات أجدادهم الأولى، فأورثوها لأحفادهم. وقد مر بنا من صورها كيف تخيلوا القمر وُلِدَ سفاحًا، وكيف اغتصبت إنانا ألواح القدر في إنكي. وصورت أسطورة لهم شدة حسد المعبود إنكي للمعبود إنليل على اجتماع الناس على عبادته بلسان واحد، الأمر الذي أدى به إلى أن أشاع الوقيعة بينهم وبين ربهم إنليل، وبلبل ألسنتهم، وذلك على الرغم من أن إنكي الحسود هذا كان يوصف بالذات بأنه حكيم الأرباب. وربط صمويل نوح كرامر بين هذه الأسطورة وبين ما رواه العبرانيون عن قصة برج بابل ووحدة الألسن القديمة ثم بلبلتها فيه نتيجة لغيره ألوهيم من طموح الإنسان ليكون شبيهًا بإلهه.

وصورت أسطورة أخرى المعبودة إنانا، بعد نزولها من السماء على هيئة بغي مقدسة أدركها التعب فنامت تحت شجرة في بستان بأرض شوبر "في غرب إيران"، فغافلها البستاني وقبلها وضاجعها ثم هرب منها إلى بلاد سومر بلاد إخوته أصحاب الرءوس السود، واحتمى بعمرانها، فصبت إنانا نقمتها على بلده وسلطت عليها عواصف مدمرة وملأت آبارها بالدم.

وأضافت أسطورة ثالثة عن بداية الخلق في جنة تلمون، أن إنكي رب الحكمة ضاجع ننخرساج وأنجب منها فتاة، ثم طمع في ابنته منها واستولدها حفيدة، وضاجع الحفيدة واستولدها هي الأخرى، وظل كذلك حتى نبهت ننخرساج الزوجة الجدة حفيدتها الرابعة ألا تستسلم لجدها حتى يمهرها بنوعين من النبات، فأتاها بالمهر ونكحها هي الأخرى. وهنا سلمت الجدة بالأمر الواقع, وانتوت الانتقام،

<<  <   >  >>