لن تصبح زوجته ولو أقامت في داره حولًا كاملًا. وأخذت بما سنته أور من أنه إذا تعاقد رجل مع شاب على تزويجه ابنته ثم زوجها لغيره وجب عليه أن يرد له ضعف ما أخذه منه، ونصت على حق المحارب الذي يؤسر مدافعًا أو غازيًا وينقل إلى ديار أعدائه، في أن يسترد زوجته حين عودته ولو تزوجت غيره خلال غيابه عنها، ولكنها حرمت هذا الحق على من فارق بلده كارهًا له أو آبقًا من سيده. وجعلت القتل عقابًا للزوجة الزانية وعقابًا لمن يغتصب فتاة مخطوبة ... ، ونصت على أنه على من طلق زوجته ذات الأولاد وتزوج غيرها أن يفارق الدار وما فيها هو ومن أراد أن يتبعه من أهل داره، وفي هذا سبق من التشريعات العراقية القديمة لكفالة حقوق الزوجة الأم عما تطلعت إليه بعض القوانين الحالية.
واستنت سنة الشفعة، فاعترفت بأن الإخوة أحق بشراء نصيب أخيهم من الميراث إذا أراد بيعه، وبأن من باع دارًا أصبح أحق بشرائها ثانية لو باعها مشتريها.
وحددت أرباح القروض معدنية كانت أم عينية فجعلت ربح الشاقل من الفضة سدسًا وست حبات، وجعلت ربح كور الشعير بانا وأربع سيات من نفس نوعه.
غير أن كل هذه المكاسب التشريعية كانت لأحرار إشنونا، حتى الفقراء منهم، دون العبيد الذين أهدرت حقوقهم. فقد حرصت مجموعة خامسة من التشريعات نفسها على تأكيد حقوق القصور الملكية والمعابد والسادة فيما يمتلكون من العبيد والجواري والعقارات، فحرمت على الرقيق والإماء الموسومين بأسماء سادتهم أن يجتازوا بوابة إشنونا دون إذن سادتهم، وأكدت حق السادة في امتلاك أبناء جواريهم ولو رباهم غيرهم، وحرمت على أي من العبد والجارية أن يتاجر لحسابه، وتوعدت من يتعامل معه، أي أنها اعتبرت العبد لا يملك شيئًا، وأنه هو وما يملكه ملك لسيده، وإن لم تكن هذه النظرة إلى طبقة الأرقاء والعبيد غريبة تمامًا عن نظرة بقية الشعوب القديمة المعاصرة لها.
وفرضت التشريعات عشرة شواقل من الفضة على من يضبط نهارًا في حقل رجل من الموشكينو أو في داره، ويعتبر الموشكينو من اهل الطبقات العادية من الأحرار ويبدو أنها عنت بهم من يعملون لصالح القصور الملكية والمعابد بخاصة. وفرضت الإعدام من يضبط ليلًا في حقل رجل من الموشكينو أو في داره، ولعل التشديد في عقوبة سارق الليل ترجع إلى أنه قد لا يتورع عن ارتكاب جريمة القتل متسترًا بالظلام ولا يكتفي بالسرقة.
وهكذا تناولت تشريعات إشنونا أغلب مشكلات الحياة في عصرها، وأدى العثور على ألواحها الباقية في تل حرمل إلى جانب العثور على بعض تشريعات أور من قبلها إلى تعديل الفكرة القديمة الشائعة التي اعتبرت تشريعات حمورابي البابلي أقدم تشريعات مكتوبة في بلاد النهرين أو في الوجود. ويبدو أن حرمل هذه التي تبعد نحو ستة أميال شرقي بغداد، كانت تسمى "شادوبم" وتحتمل بداية عمرانها في منتصف الألف الثالث ق. م، ولكن ترجع أهم مبانيها ولوحاتها إلى النصف الأول من الألف الثاني ق. م. ومن هذه المباني معبد مسطح يتألف من مدخل وساحة ومقصورة تقع كلها على محور واحد، وأطلال قصر متسع،