للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث، على الرغم من أنهم كانوا أغرابًا في أصلهم عن بابل وعن محيطها كله. ولكن لم يخلص لهم أمر بلاد النهرين تمامًا خلال قرونهم الخمسة، ففضلا عن دولة البحر التي نازعتهم السيادة على المناطق الجنوبية في بداية عصرهم حتى تغلبوا عليها، تحكم الآشوريون في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من نهر دجلة، وتحكم الحوريون في المناطق الغربية والشمالية الغربية من نهر الفرات، بغير حدود صريحة فاصلة بين امتداد هؤلاء أو هؤلاء. ثم ظهر بعدهم الميتانيون.

مع آشور:

لم كتن آشور ذات شأن كبير في بداية الأمر، وقد اقتطع الحوريون جزءًا من أرضها، وعاملها الكاسيون على حذر. وحدث أن تصاهر البيتان الحاكمان في آشور وبابل لبعض الوقت، فتزوج الملك البابلي "كارونداش" من ابنة الملك الآشوري "آشور أون بالليط"، وجعل ولدها ولي عهده، فعز على الأمراء الكاسيين أن يسري الدم الآشوري في عروق صاحب عرشهم ويصبح ذلك سببًا لتدخل الآشوريين في شئون دولتهم، فاغتالوا ولي العهد وولوا غيره مكانه. ولا تعنينا هذه المصاهرة وذالك الاغتيال من حيث هما حادثان فرديان، ولكن تعنينا دلالتهما على عدم توافر الثقة بين الدولتين. وحدث أن خرج الآشوريون عن نطاقهم الإقليمي، وأوفدوا سفارة إلى الفرعون المصري آخناتون، فاحتج الملك البابلي على هذه الجرأة وكتب إلى الفرعون المصري بأنه لم يكن يحق للآشوريين أن يتصلوا به اتصالًا مباشرًا وأنه لا يزال يعتبرهم من أتباعه١.

مع الحوريين:

كان الحوريون فرعًا من الفروع الهندوآرية اتخذوا طريقهم إلى الشرق بنفس السبيل الذي اتخذه غيرهم من فروع الهجرات الكبيرة، أي عن طريق التسلل البطيء ثم عن طريق الهجرة العنيفة في ظل ظروف مناسبة٢. واعتبر بعض الباحثين أقدم أمرائهم المعروفين في الشرق أميرًا يُدعى نيزادا حكم منطقة أوركيس في القرن الثالث والعشرين ق. م، غير أن هذا التقدير لا يخلو من شك كبير، وأقرب منه إلى الصحة ما يعرف عن ظهور أعمالهم وأخيلتهم الدينية في نصوص ماري منذ أوائل القرن السابع عشر ق. م، وظهور تأثيرهم في الدولة الحالية "الحيثية" منذ عهد ملكها نتيليس الأول، وذلك مما يحتمل معه إرجاع وصولهم إلى المشرق إلى القرن الثامن عشر ق. م أو ما هو قريب منه٣. ثم امتد نشاطهم في قلب بلاد النهرين حتى


١ ويضيف ديلاورت أن الملك الآشوري كان قد غار من إهداء الفرعون إلى توسراتا الميتاني عشرين وزنة من الذهب، وتساءل عن سبب عدم حظوته بمثل هذه المعاملة.
٢ Cf. E.A. Speiser, Introduction To Hurrian, New Haven, ١٩٤٠, ١٩٤١; I. J. Gelb, Hurrians And Subarians, Chicago, ١٩٤٤.
٣ See, S. Moscati, Op. Cit., ١٨٩; A. Pohl, Khurriti, Encyclopaedia Cattolica, Vi, Citta Del Vaticano, ١٩٥١, Coll. ١٥١١-١٢.

<<  <   >  >>