للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنه فشل معها. وظلت كفة النصر متأرجحة بين بابل وبين جارتيها إلام وآشور فطورًا يسود الهدوء، وطورًا يغلب البابليون وطورًا يغلبون، على حين أدى انشغال الخاتيين بمنافسة المصريين تارة ومنافسة الآشوريين تارة أخرى، إلى بقاء علاقات الود الظاهري قائمة بينهم وبين البابليين، بحيث طلب الملك الخاتي "الحيثي" خاتوسيل ذات مرة من حليفه البابلي "كادشمان إنليل الثالث؟ " أن يتعاون معه في مهاجمة عدو مشترك، قد يكون من الآشوريين أو من الهجرات الأرامية التي بدأت حينذاك تهدد سبل التجارة بين الدولتين.

وعلى أية حال، فسوف نوجز هذه الوجوه المختلفة للعلاقات بين بابل وبين جيرانها، في أن بابل فقدت روحها الجريئة الخلاقة في أغلب عهود الكاسيين، وسارت أمورها رتيبة مقلدة في أغلب أحوالها، فيما خلال هزات قليلة متباعدة، كان أعنفها بالنسبة لبابل مهاجمة جيوش الملك الآشوري توكلتي نينورتا الأول لها وتدميرها إياها وسلبها كنوزها. وبرر الكتبة الآشوريون هذه القسوة بادعائهم أن أرباب المدن البابلية كانوا قد هجروها استياء من مسلك كاشتيليات ملك بابل ولعنوها. ثم رحبوا بالفاتح الآشوري الذي انتقم لهم بتأديب مدنهم١، "وهذا هو منطق المنتصر في كل زمان، مع تغيير ألفاظه بما يتناسب مع عصره". ولكن ما لبث البابليون حتى أخذوا بثأرهم من آشور وحاصروا عاصمتها عقب اغتيال ملكها الفاتح العنيف توكلتي نينورتا في أواخر القرن ١٣ق. م.

وكان احتدام النتافس بين بابل وبين آشور فرصة الإلاميين، فتجرءوا على جنوب العراق وهاجموا بابل نفسها، وطالت اشتباكاتهم معها حتى دمروها أكثر من تدمير الآشوريين لها، وقضوا على الحكم الكاسي فيها في أواخر القرن الثاني عشر ق. م وغنموا ما بقي من كنوزها ونقلوا أغلب آثارها الفنية إلى عاصمتهم سوسه، سواء حبًّا في الغنم والنهب، أو لحرمانها من كل ما يذكرها بأيام مجدها، وكان من هذا الآثار ما يتعلق بملوك قدماء أحرزوا النصر عليها، مثل: نصب سرجون الأكدي، ونصب نرام سين، وعمود "أو مسلة" مانيشتوسو، ونصب تشريعات حمورابي الذي ظل في عاصمتهم حتى عثر عليه في أوائل القرن الحالي، ونصب أخرى كاسية وغير كاسية كثيرة، يغلب على الظن أنهم أجبروا الأسرى البابليين على نقلها بأنفسهم رغم ضخامتها وشدة ثقلها.

غير أن بابل ذات الماضي المجيد لم تكن لتموت بسهولة، وإن ترنحت طويلًا تحت ضربات خصومها، فتحاملت حتى نهضت وتزعمها ملوك ناضلوا في سبيل تحرير أرضهم من ربقة السيطرة الإلامية، وعرفت أسرتهم اصطلاحًا باسم الأسرة البابلية الرابعة، ومدت جيوش أشهر ملوكهم نبوخذ روسر "نبوخذ نصر الأول"٢ جناحيها شرقًا للانتقام من الإلاميين وغربًا لإرهاب بقايا الأموريين وخلفائهم الأراميين، لولا أن هذه النهضة البابلية لم يطل أمدها، وتعرضت بابل مرة أخرى لهزات عنيفة أتتها من قبل دولة آشور التي


١ See, A.F.O, Xviii, ٣٣ F., ٤٢; Maog, Xii, ٢, ٧, ٢٣ F.
٢ See, W.J. Hinke, A New Boundary Stone Of Nebuchadnezzor I, Philadelphia, ١٩٠٧.

<<  <   >  >>