وكان منها أن شعوب البحر التي حلت محل الحالتين كانت لا تزال في عنفوان شدتها فظلت مصدر رعب لجيرانها، وأن هجرات سامية جديدة بدأت تغذي قوة الأراميين في العراق، وأن بابل لم تن عن محاولة استرداد كيانها والانتقام لنفسها. ونكتفي هنا بالبابليين.
فقد سارعت بابل بعد اغتيال فاتحها الآشوري توكلتى نينورتا بمحاولة النهوض من كبوتها، فشنت هجومًا خاطفًا على الآشوريين فتكت فيه بملكهم الجديد وحاصرت عاصمته واستردت كرامتها الدينية باسترداد تمثال معبودها الأكبر "مردوك"، وقنعت بما أحرزته من نصر سريع، لتقي أطرافها الجنوبية من الإلاميين "العيلاميين"، ولكن نشاطها ضد هؤلاء وهؤلاء كان فيما يبدو أشبه بنضال اليائس؛ إذ ما لبثت أن انهارت تحت ضغطهما، ودمرها العيلاميون وقضوا على أسرتها الكاسية في نهاية القرن الثاني عشر، وتبع ذلك ما أوجزناه "ص٤٩٣ - ٤٩٥" من جهاد بابل جهاد مستميت في سبيل النهوض، ومقاومتها للعيلاميين حتى أجلتهم عن ديارهم، ثم مناطحتها للآشوريين وانتصارها عليهم مرة وانكماشها أمامهم أخرى.