للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نهاية مرحلة:

ادعت نصوص شلما نصر الثالث فيما ادعته، أنه قاد اثنتين وثلاثين حملة خلال فترة حكمه التي امتدت خمسة وثلاثين عامًا ولكن نشبت في نهاية عهده فترة ضعف بدأت بخروج ولده عليه بسبب ما هضمه حقه في ولاية العهد وتخطيه إياه إلى أخيه الأصغر شمشي أداد الخامس، ثم حدوث حرب أهلية استمرت نحو ست سنوات. وظلت آشور نحو ثلاثة أرباع القرن من الزمان "٨٢٤ - ٧٤٥ق. م" تتلقى ضربات جيرانها الآراميين والبابليين والميديين والسوريين والفلسطنيين والعبرانيين حينًا، وتضربهم حينًا آخر، ولكن بغير نتائج حاسمة لها أو لجيرانها. وظل ملوكها يدعون أنهم تلقوا خضوع أمراء أركان الدنيا الأربعة من مشرق الشمس عند البحر الكبير إلى مغرب الشمس عند البحر الكبير، ولكن بغير دليل صحيح بل حدث على العكس من ذلك وفي عهد شمشي أداد الخامس بالذات أن تجرأ أهل أورارتو "أرارات وبحيرة فان" فاتجهوا جنوبًا بشرق حتى الحدود الآشورية وسجلوا هناك نصبًا بانتصارهم لكل من لغتهم الخاصة وباللغة الآشورية وفرضوا الجزية على ميليتيا أو ملاطية الحالية وما يجاورها.

واحتفظت روايات المؤرخين الإغريق فيما سمعوه عن هذه الفترة وقصة محورة لملكة أطلقوا عليها اسم "سميراميس" تحريفًا فيما يبدو للاسم الآشوري "سمورمات" أو "شميران" وكانت وصية على ولدها أداد نيراري الثالث من زوجها شمشي أداد الخامس رووا أنهم سمعوا أسطورة تقول بأن أمها كانت آلهة تعبد في عسقلان قرب البحر ويرمز لها بصورة نصفها سمكة ونصفها حمامة ولما ولدت ابنتها على هيئة بشرية سوية تركتها للحمام يرعاها، فلهذا سميت محبوبة "رمات" والحمام "سمو" ثم عثر عليها كبير رعاة ملك آشور ورباها وتزوجها حاكم نينوى "أونيس" ولكن ملك آشور العظيم "نينوس" طمع فيها وأجبر زوجها على التخلي عنها فانتحر، ولجأت هي إلى الحيلة تنتقم له ولنفسها، فمكرت بالملك الغاضب وطلبت منه أن يعهد إليها بالعرش والسلطان خمسة أيام فرضي واستغلت هي سلطانها المؤقت وأمرت بسجن الملك ثم قتلته واستأثرت بالعرش بعده أكثر من أربعين عامًا.

أما من حيث الواقع فقد استطاع أداد نيراري الثالث "٨١٠ - ٧٨٣ق. م" بعد أن صلب عوده وانتهت وصاية أمه عليه أن يحافظ على القليل الباقي من إرث أجداده وساعده الحظ فهادته أو تمسحت بسلطانه الأسمى بعض إمارات فلسطين ومنها منطقة إيدوم، ويبدو أن غيرتها من جارته دمشق قد رمتها في أحضانه، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي أن زادت العزلة على دمشق وزادت وهنًا على وهن، وفي هذه الظروف روى كتبت الملك الآشوري أنه أخضع أرض أمورو وأرض عمري وإيدوم وفلسطين "بالاستو، بالاشتو"، وأن ملك دمشق اضطر إلى أن يعتبر نفسه تابعًا له وقدم له جزاه في قصره بدمشق. ويبدو أن مهادنة دمشق له كان لها ظل من الحقيقة فعلًا منذ عام ٨٠٢ق. م١.

أما في الشرق والشمال فكان أهم ما تضمنته نصوص أداد نيراري الثالث هذا من أسماء الأقوام التي تلقى جزاها "أو وصلته متاجرها وهداياها بمعنى أصح" اسم أرض الماذيين وفارس "باراسو"، وسوف يكون لهؤلاء وهؤلاء على الترتيب أثر وأي أثر في مستقبل آشور البعيد ومستقبل بلاد النهرين كلها.


١ D. Luckenbill, A.R. ٧٣٤ F., ٧٣٩ F. Anet. ٢٨١-٢٨٢.

<<  <   >  >>