للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يطمئن إلى إخلاصها فعين رقيبًا أو قيمًا على بلادها، ولقبه بلقب "قيبو" ليشرف على توجيه سياستها ويكتب إليه عن أمرها١. ولم يكتف الآشوريون بأن يسجلوا نصرهم على الملكة شمس بالكتابة وحدها وإنما سجلوه تصويرًا ورمزا أيضًا "راجع فيما بعد". وأدرك تيجلات بيليسر أن أعراب الصحراء لن يتمكن منهم غير واحد منهم، فاستمال إليه بعض شيوخهم، وعين الشيخ أيديبيئيل مشرفًا على منطقة تدعى مصرى٢ يبدو أنها كانت قريبة من الحدود المصرية الشمالية الشرقية عند أطراف سيناء الشمالية الشرقية.

ولم يسلم أهل الشام للآشوريين وملكهم تيجلات بيليسر تسليمًا مطلقًا، وإنما انبعثت ثوراتهم من حين إلى آخر، وظلت مصر ملجأ للفارين من وجهه، مثل هانو أمير غزة "خانونو الخزاتي" وزادت هذه الثورات بعد وفاته، فثارت صور ضد ولده شلما نصر الخامس "٧٢٧ - ٧٢٢ق. م" واستعصمت بجزيرتها وأسوارها. وتطلع العبرانيون إلى عون مصر فأعانتهم، ولهذا امتد حصار جيشه لعاصمتهم السامرة "سامرينا" ثلاث سنين دون جدوى، في نفس الوقت الذي استنفذت فيه قوى بقية جيوشه في الشام في إخضاع صور. ولم تكن بابل أقل ضيقًا بالحكم الآشوري، فاستغل الأراميون الكلدانيون تذمرها وسعوا إلى استعادة عرشها.

وترتب على ذلك كله أن عرش آشور لم يستمر في أسرة تيجلات بيليسر الثالث غير جيلين, انتقل منها في عام ٧٢١ق. م إلى أسرة شروكين الثاني أو سرجون الثاني على حد شهرته في الكتب التاريخية، وهو رجل لم يكن أقل كفاية من سميه شروكين الأكدي القديم.

كان من المشكلات التي واجهت سرجون الثاني في بداية عهده أن انتهز مردوك أبال إدين كبير بيت باكين الكلداني فترة البلبلة التي صحبت تغير الآشورية المالكة، فاستعان بقوات عيلامية على استرداد سلطانه على بابل، وهزم الجيوش الآشورية بمعاونتهم وأعلن نفسه ملكًا في نفس العام الذي اعتلى فيه سرجون عرش آشور أو بعده بعام واحد. وتحالف روزاس ملك أورارتو "وخليفة سارديوس" مع الماذيين في إيران في جانب، ومع الفريجيين في آسيا الصغرى "أو الموشكيين على حد تعبير النصوص الآشورية" في جانب آخر، وبدأ الأحلاف يعملون لحسابهم ويحطمون من بقي على الولاء لآشور من جيرانهم. وانحل الحصار الآشوري من حول السامرة واندلعت نيران الثورة في بقية بلاد الشام ابتداء من غزة حتى حماة وأرواد، وعاوتها مصر هنا وهناك.

وأجل سرجون أمر بابل وأورارتو وآسيا الصغرى والماديين أيضًا، وبدأ بفلسطين فأخضعها بجيوشه وأتم فتح السامرة العاصمة الشمالية للعبرانيين وخربها وشرد أهلها وأنهى استقلال دولتها، مما سنعود إلى تفصيله والتعليق عليه بعد قليل. ثم أخذ يضرب بقواته شمالًا وشرقًا، ضد أهل أورارتو، وضد الماذيين،


١ Luckenbill, Op. Cit, I,٧٧٧ F; Anet, ٢٨٣, ٢٨٤
٢ Ibidem

<<  <   >  >>