للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقوم عند أهله مقام اللواء والعلم، وقد يكون هذا الرمز ذا صلة بهيئة المعبود الأكبر في عاصمته، أو ذا صلة بخصائص بيئة إقليمية، أو ذا صلة بالمهنة الغالبة في مجتمعه، أو ذا صلة بالصفات التي يعتقدها أهله في أنفسهم واستمرت ذكريات هذه الرموز باقية فيما احتفظت به العصور التاريخية من شعارات الأقاليم ومسمياتها القديمة.

ويغلب على الظن أنه تكرر بين الأقاليم ما حدث بين القرى، فنما بعضها نموًا حضاريًّا سلميًّا، أي باستصلاح أراضٍ زراعية جديدة، وبالتوسع في الإنتاج والتبادل، والتوسع في الاتصالات والمحالفات. بينما اتسع بعضها عن طريق القوة وبسط النفوذ على حساب جيرانه المستضعفين. ثم أدى هذا الطريق وذاك إلى نشأة بضعة أقاليم كبيرة قامت في زمنها مقام الممالك الصغيرة.

وحاول كل من العلماء كورت زيته وألكسندر موريه وإدوارد ماير وجيمس هنري برستد وغيرهم إكمال المراحل المحتملة لتطور الحياة الاجتماعية والسياسية في فجر التاريخ، بافتراض تسع مراحل أفضت في نهاية أمرها إلى توحيد مصر في مملكة مستقرة كبيرة١. واستعانوا في تصوير هذه المراحل بما دلت عليه نقوش الصلايات ومقاطع القتال، وما دلت عليه رموز الأقاليم المصرية وشعاراتها، وما تضمنته القصص والأساطير الدينية والأدبية في مصادر العصور التاريخية، وما تضمنته متون الأهرام من تلميحات عن أحداث بعيدة وعقائد عتيقة وأسماء قومية ودينية، ثم ما جاءت به قوائم الملوك التي سجل كتبة العصور التاريخية فيها تاريخ أوائل حكامهم القدماء بأسلوبهم الخاص، وما دلت عليه الألقاب التقليدية التي توارثها الملوك المصريون في بداية العصور التاريخية. ويمكن أن نرتب من ناحيتنا هذه المراحل المقترحة على النحو التالي:

باشرت أقاليم الوجه البحري نضجها السياسي منذ أن تجمع أغلبها في مملكتين محليتين خلال مرحلة قديمة من مراحل ما قبل الأسرات: مملكة لشرق الدلتا قامت في إقليم عنجة واتخذت عاصمتها في مدينة سميت بنفس اسم إقليمها، قرب سمنود الحالية على فرع دمياط. وجعلت لواءها على هيئة الحربة. وقدست معبودها الأكبر عنجتي الذي صورته متون الأهرام بصورة بشرية وميزته بريشتين فوق رأسه وبمذبة أصبحت تعبر عن الصولجان، وعصا معقوفة الطرف تشبه عصا الرعاة أصبحت بدورها رمزًا للحكم والسلطان٢، ويحتمل أن هذه المملكة امتدت جنوبًا حتى عين شمس الحالية. ثم مملكة أخرى في غرب الدلتا، اتخذت عاصمتها فيما يعتقد الأستاذ زيته في مدينة قامت على أطلالها مدينة دمنهور الحالية، وقدست ربها الأكبر حور ورمزت إليه بهيئة الصقر ورفعت صورته فوق ألويتها، ويحتمل أنها امتدت جنوبًا حتى أوسيم الحالية٣.


١ See Especially, K. Sethe, Beltraege Zur Altesten Geschichte, Untersuchungen, Iii, Leipzig, ١٩٠٥; Nachichten Der Kgl. Gesell. Der Wis., G?ttingtn, ١٩٢٢, ١٩٧-٢٥٢; Urgeschicht And Alieste Religion Der Aegypter, Leipzig, ١٩٣٠; Ed. Mayer. Geschichte Des Alterumer; A. Moret, Des Cans Aux Empires. Paris, ١٩٢٣; Le Nil Et Al Civilisation Egyptienne, Paris, ١٩٢٦; J. H. Braested, Bifao, Xxx, ٧٠٩ F.
٢ A. Moret, Le Nil ....., ٩١.
٣ See, R. Weill, Recherches ...., ٣٢١.

<<  <   >  >>