من وجوه صلاحكم ما اعتل، فقد بلغنا ما أنتم بسبيله من التقاطع والتدابر، وما ركبتم رؤوسكم فيه من التنازع والتهاتر، وقد استوى في ذلك عالمكم وجاهلكم، وصار شرعاً سواء فيه نبيهكم وخاملكم، ولا تأتمرون رشداً، ولا تطيعون مرشدا، ولا تأتون سددا، ولا تنحون مقصدا ولا تفلحون إن لم تنزعوا عن غوايتكم أبداً، فلا يسوغ لنا أن نترككم فوضى وندعكم سدى، ولابد لنا من أخذ قناتكم بثقاف أما أن تستقيم أو تتشظى قصداً، فتوبوا من ذنب التباغض بينكم والتباين، واهصوا شياطين التحاقد والتشاحن، وكونوا على الخير أعوانا، وفي ذات الله أخوانا، ولا تجعلوا لعقوبة عليكم يدا ولا سلطانا، واعلموا أن من نزغ بينكم بشر، أو نفث في فتنة بضر، وقلم عندنا عليه الدليل، واتجه إليه السبيل، وأخرجناه عنكم، وأبعدناه منكم، فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين ولا تتولوا عن الموعظة وأنتم معرضون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، وحسبن هذا وبالله التوفيق.
[الوزير الكاتب أبو المطرف ابن الدباغ رحمه الله]
أحد أعلام الوزارة المتسمين بإزائها، والمرتسمين في زمام عليائها، والمشتهرين بالبلاغة، والمقتصرين على حسن التناول في كل أراغة، إلا أن الأيام عدت عل آماله، وأغرت صروفها بكماله، فلم تلح أمانيه حتى غربت، ولا اتفقت له حال إلا اضطربت وصل إلى المعتمد فكلف به، وألف حسن مذهبه، وثم نسبت إليه معائب، وانبرى له شانئ وعائب، حسد لخصاله، وجدا في زواله وانفصاله، وفأنف من المقام بذبك المثوى، والاحتمال لتلك البلوى، فانتقل إلى المتوكل، وحل منه بلطف محل، وألى إليه أزمة العقد والحل، وثم رأى أن يكر إلى سرقسطة بلده، ويفر فيها مع أهله وولده، وفلما وصل إليها استدعي إلى إحدى حدائقها في ليلة من منح الدهر، وتنسم أنسها أعطر من نفح الزهر، فلما أغفى دب غليه أحد عده، وج أوداجه بمداه، وسقي الأرض من نجيعه، وتركه لا يستيقظ من هجوعه، وكان كثيراً ما يشتكي في كتبه تشكياً يدل على ضيق صدره، وسمو قدره، فمن ذلك رقعة كتبها إلى ابن حسداي وهي، وكتابي وأنا كما تدريه، غرض للأيام تزميه، ولكن غير شاك من آلامها، ولأن قلبي في أغشية من سهامها، فالنصل على مثله يقع، والتألم بهذه الحالة قد ارتفع، وكذلك التقريع إذا تتابع هان، والخطب