بسطام ما توسّد على الألاءة، تهابه النّفوس إذا رمقته أبصارها، وتلجأ إليه الرّياح إذا أرهقها إعصارها. لو دعا الأسد الورد لأجاب، أو أومأ إلى اللّيل البهيم لانجاب. ولو قعدت بين يديه الأطواد لتحرّك سكونها، أو عصته الطّير ما آوتها وكونها، مع عفاف كفّ حتّى عن الطّيف، وحكى المحرمين بالخيف، وندى خرق العوائد. وأورق عوده في يد الرائد. وسجايا تنجلّى بها الظّلماء، كأنّ مزاجها عسل وماء.
(ولمّا) أنارت به تلك الآفاق، وعاد به كساد الفضل إلى النّفاق، رأيت أن أخدم مجلسه العالي بزفّ الكتاب إليه، وأشرّف محاسنه بمثوله بين يديه. فوسمته باسمه، وكسوته نور وسمه، وجلبت العلق إلى مميّزه، وأجريت الجواد في ميدان محرزه، وأطلعت شمس النّبل في أفقها، وأتيت ببضاعة الفضل إلى منفّقها، واللّه وليّ التوفيق في ما قصدت، والكافي من الخطأ في الذي سردت، فعليه كان معوّلي وبه حسن تأوّلي لا إله إلّا هو، ربّ العرش العظيم.
[القسم الأول في محاسن الرؤساء وأبناءهم ودرج أنموذجات من مستعذب أنبائهم]
[المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن عباد]
ملك قمع العدا وجمع الناس والندا وطلع على الدنيا بدر هدى لم يتعطل يوماً كفه ولا بنانه اونة يراعه واونة سنانه وكانت أيامه مواسم وثغور برة بواسم ولياليه كلها دررا وللزمان أحجالاً وغررا لم يغفلها من سمات عوارف ولم يضحها من ظل إيناس وارف ولا عطلها من ماثرة بقي أثرها باديا ولقي معتفيه منها إلى الفضل هاديا وكانت حضرته مطمحاً للهمم ومسرحاً لآمال الأمم وموقفاً لكل كمي ومقذفاً لذي انف حمي لم تخل من وفد ولم يصح جوها من انسجام رفد فاجتمع تحت لوآيه من جماهير الكماة ومشاهير الحماة أعداد يغص بهم الفضا وأنجاد يزهى بهم النفوذ والمضا وطلع في سمائه كل نجم متقد وكل ذي فهم منتقد فأصبحت حضرته ميداناً لرهان الأذهان وغاية لرمي هدف البيان ومضماراً لإحراز خصل في كل معنى وفصل فلم يرتسم في زمامه إلا بطل نجد ولم يتسق في نظامه إلا ذكاء ومجد فأصبح عصره أجمل عصر وغدا مصره أكل مصر تسفح فيه ديم الكريم ويفصح فيه لساناً سيف وقلم ويفضح