للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دع عنك ما خلّدت يونان من حكم ... وسار في حكماء الفرس من مثلِ

وانظر إليها تجدها أحرزت سبقا ... في الجهد منها وحاز السبق في مهلِ

وله يتعزل: طويل

وهيفاء يحكيها القضيب تاوّدا ... إذا ما انثنت في الريط أو حبراتها

يضيق الأزار الرحب عن ردفها كما ... تضيق بها الأحشاء عن زفراتها

وما ظبية غذ ما تالف وجرة ... ترود ظلال الغيل أو أثلاتها

بأحسن منها يوم أومت بلحظها ... إلينا ولم تنطق حذار وشاتها

[الوزير الكاتب أبو بكر بن قزمان رحمة الله تعالى]

مبرز في البيان ومحرز الخصل عند تسابق الأعيان، اشتمل عليه المتوكل اشتمالاً أرقاه إلى مجالس، وكساه ملابس، فاقتطع أسمى الرتب وتبواها، ونال أسنى الحظوظ وما تملاها، فإن دهره كر عليه بخطوبه، وسفر له عن قطوبه، فكدر عيشه بعدما صفا، وقلص برده الذي كان صفا، وتجرع آخر عمره من كوس الذل أبشعها ذوقاً، ولبس من ملابس الهوان أشواهها طوقا، في قصة أساء بها ابن حمدين وما أجمل وجاء بها شوهاء لا تتأمل، وأخلاقه هي التي فلت من غربه، وكانت سبب لطول كربه، فإنها كانت تحتدم في جوانحه احتدام القيظ، تكاد تتميز من الغيظ، وكان رحمه الله ظاهر الصواب، متى نبس، طاهر الأثواب، من كل دنس، معجزاً ببيانه، موجزاً في كل أحيانه، وقد أثبت له ما تعلم به حقيقة قدره، وتعزف كيف أساء الزمان إليه بغدره، فمن ذلك قوله: كامل

ركبوا السيول من الخيول وركبوا ... فوق العوالي السمر زرق نطافِ

وتجلّلوا الغدران من ماذيّهم ... مرتجّة إلاّ على الأكتافِ

[الوزير الكاتب أبو بكر بن الملح]

حلّ كنفي العلم والعليا، وأخذ بطرفي الدين والدنيا، فهصر أفنان الفتوة، واقتصر برهة على أجتلاء غرر الأماني المجلوة، لم يتأنس بها إلا بنشوة، ولم يتنفس فيها إلا عن صبوة، ولا طاف مدتها بركن استتار، ولا عاف مورد استهتار، والدين يلحظه بطرف كلف، وقلب عليه مؤتلف، إلى أن أقصر باطله، وأستبصر مسوفه ومماطله، فعري من ذلك اللبوس، وبرئ من تلك الكؤس، وأصبح ثاني الأكابر، وراقي أعواد المنابر، وقد أثبت له ما يستجاد، ويرتاد له تهائم ونجاد،

<<  <   >  >>