للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقاء أمير المسلمين، وناصر الدين، الشائع عدله، السابغ فضله، العظيم سلطانه العلي مكانه، السني قدره وشأنه، في سعد تطرف عنه أعين النوائب، وجد تصرف دونه أوجه المصائب، كل رزء أدام الله تأييده وأن عظم وجل حتى استولى على النفوس منه الوجل، إذ عدا بابه، وتخطى جنابه، فقد أخطأ بحمد اله المقتل، وصد عن سواء الغرض وعدل، وإذا كانت أقدار الله تعالى غالبة لا تصاول، وأحكامه نافذة لا تزاول، فالصبر لواقعها أولى، والتسليم لجوازها أوهب لرضى المولى، والتزام أوامره أشرف وأعلى، وفي كل حال أجل وأولى، وكتبته أدام الله تأييده والنفس بنار زفراتها محترقة، والعين بماء عبرتها شرقة مغرورقة، لما نفذ قدر الله المقدور، وقضاؤه المسطور، من وفاة الأمير الأجل أبي محمد مزدلي قدس اله روحه، وسقى ضريحه، فياله رزء قصم الظهر، ووسم النجوم الزهر، وأذكى الأحزان، وأبكى الأحزان، وأبكى الأجفان وأقصى المهاد بمكانته من الدول المنيفة ومنزلته من الأمرة الرفيعة الشريفة، وعند الله نحتسبه ذخيرة عظمى، ونسأله المغفرة له والرحمن. فإنه كان نور الله وجهه متوفر الهمة على الجهاد، من أهل الجد في ذلك والاجتهاد، وحسبه أنه لم يقض نحبه غلا وهو متجهز في عساكره فأدركه الموت مهاجرا، ومع الله تاجرا، وأرجو أن يكون تعالى قد قرن له فاتحة السعادة، بخاتمة الشهادة، وأمير المسلمين أورى في الرياسة وندا من أن تضعضعه الخطوب وأن أهمت، وتوجعه الحوادث إذا ادلهمت والله يحسن عزاءه على فجعه، ولا يدني حادثا من ربعه بمنه عز وجل.

[الفقيه الحافظ القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض رحمه الله تعالى]

جاء على قدر وسبق إلى نيل المعالي وابتدار، واستيقظ لها والناس نيام، وورد ماؤها وهم حيام، وتلا من المعارف ما أشكل، وأقدم على ما أحجم عنه سواه ونكل فتحلت به العلوم نحور، وتجلت له منها حور، كأنهن الياقوت والمرجان، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، قد ألحفته الأصالة رداءها، وسقته أنداءها، وألقت إليه الرياسة أقاليدها، وملكته طريفها وتليدها، فبذ على فتائه الكهول سكونا وحلما، وسبقهم معرفة وعلما، وأزرت محاسنه بالبدر اللياح، وسرت فضائله سري الريا، فتشوفت لعلاه الأقطار، ووكفت تحكي نداه المطار، وهو على اعتنائه بعلوم الرشيعة، واختصاصه بهذه الرتبة الرفيعة،

<<  <   >  >>