وخرج إلى برجه ولادية وهما نظران لم يجل في مثلهما ناظر، ولم تدع حسنهما الخدود النواضر، غصون تثنيها الرياح، ومياه لها انسياح، وحدائق تهدي الأرج والعرف، ومنازل تبهج النفس وتمتع الطرف، فأقام فيها اياماً يتدرج في مسارحها، ويتصرف في منازهها ومسايحها، وكانت نزهة أربت على نزهة هشام بدير الرصافة، وأنافت عليها أي إنافة، وفي أثناء مقامه، وخلال اتساق الأنس له وانتظامه، عن له ذكر إحدى خطاياه فهيجه وأقلقه، وأزعجه وأرقه، فكتب إليها رقعة وطيرها وفيها: طويل
وحمّلت ذات الطوق منّي تحيّةً ... تكون على أفق المريّة مجمراً
كمل ذكر المعتصم والحمد لله
[الحاجب ذو الرياستين أبو مروان عبد الملك ابن رزين رحمه الله تعالى]
ورث والرياسة من ملوك عضدوا مؤازرهم، وشدوا دون النساء مأزرهم، ولم يتوشحوا إلا بالحمائل، ولا جنحوا للباس إلا في أعنة الصبا والشمائل، وركبوا الصعاب فذللوها، وابتغوا سبباً للنجوم حتى انتعلوها، وملكوا الملك بأيد، وعقلوه من النخوة بقيد، وكان ذو الرياستين منتهى فخارهم، وقطب مدارهم، شيد بناءهم، وقيد غناءهم، رجلاً اتخذته البسالة قلباً، وضمت عليه شغافاً وخلباً، لا يعرف جبناً ولا خوراً، ولا يتلو غير سور الندى سورا، وكانت دولته موقف البيان، ومقذف الأعيان، ترتضع فيها للمكارم أخلاف، وتدار بها للأماني سلاف، فوردت الآمال نداه نميراً، ووجد الإجمال في سراه سميراً، إلا أنه كان يتشطط على ندامه، ولا يرتبط في مجلس مدامه، فربما عاد إنعامه بوساً، وانقلب ابتسامه عبوساً، فلم تتم معه سلوة، ولا فقدت في ميدانه كبوة، وقليلاً ما كان يقبل، ولا يناجي المذنب عنده إلا الحسام الصقيل، ومع هذا فإنه كان غيثاً للندى، وليثاً على العدى، وبدراً في المحفل، وصدراً في الجحفل، وله نظم ونثر ما قصرا عن الغاية، ولا اقصرا عن تلقي الراية، وقد اثبت منهما نبذا تروق شموساً، وتكاد تشرب كؤوساً. أخبرني الوزير أبو عامر بن سنون أنه اصطبح يوماً والجو سماكي العوارف، لازوردي المطارف، والروض أنيقة لباته، رقيقة هباته، والنور مبتل، والنسيم معتل، ومعه