فقربه وأدناه، وصفح عما كان جناه، ولم تزل الحال آخذة في البوار، ومعتلة اعتلال حب الفرزدق للنوار، حتى مضوا لغير طية، وقضوا بين الصوارم والرماح الخطية، حسبما سردناه، وعلى ما أوردناه، وإذا أراد الله إنفاذ أمر مسبق في علمه، فلا مرد لأمره ولا معقب لحكمه، لا إله إلا هو، كمل خبر الراضي والحمد لله كثيراً.
[المتوكل على الله أبو محمد عمر بن المظفر رحمه الله وعفا عنه]
ملك جند الكتائب والجنود، وعقد الألوية والبنود، وأمر الأيام فائتمرت، وطافت بكعبته الآمال واعتمرت، إلى لسن وفصاحة، ورحب جناب للوافد وساحة، ونظم يزري بالدر النظيم، ونثر تسري رقته النسيم، وأيام كأنها من حسنها جمع، وليال كان فيها على الأنس حضور ومجتمع، راقت إشراقاً وتبلجاً، وسالت مكارمه أنهارا وخلجاً، إلى أن عادت الأيام عليه بعهود العدوان، ودبت إليه دبيبها لصاحب الأيوان، وانبرت إليه انبراءها لابن زهير وراء عمان، فأرغمت فيه للمجد معطساً، ورماه سهم الحادثات فقرطساً، فدجت أيامه المشرقة، وذوت غصونه المورقة، ونقل هو وابناه، إلى حيث أمر لهم الدهر جناه، فأمضى عليهم حد الحسام حكمه، وأنفذ فيهم جور الأيام ظلمه، بحيث لم تعطف عليهم إلا جوانح الليل، ولم تقف لديهم إلا بوارح الويل، ولم يجب استغاثتهم إلا عواء الذياب، أو صدى تتسعر فيه نار الاكتئاب، فرويت الأرض من دائهم، وتعطلت المنابر من أسمائهم، وعاد صبح ملكهم عاتماً، وأقامت النجوم عليهم مأتماً، فخروا على الثرى