تذرف، وربّ عيشٍ أخفّ منه الحمام، لاحتدمت، فما رحمت، ولاستعبرت، فما أبصرت، وهذا المظلوم المسجون، المكظوم المحزون، الذي غلب صبرها همه، وملأ صدرها ملمّه، فقتلها، مما أذهلها، فتى يعزف بفلان أقال الله عثرته، وأزال غمرته، فهل لك أن تتدارك هذه المسكينة بحسنة، تعدل عند الله عبادة ألف سنة، لقوله عزّ وجلّ "ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا"، لنبّهت للخير أهله، حيث خاطبت مولاي فهززت فضله، ومن نبّه عمر نام، ومثله أعزه الله ممن بذّ الكرام، وشح في مثلها بالحسام، ثم أمر كاسا بالإلجام. طويل
وإلا فلم قالوا عتيبة فارس ... يشبّ وقود الحرب بالحطب الجزلِ
فعل إن شاء الله تعالى ما هو أهله، وعند ربّه من حسن الثواب عدله، أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، بحوله، وطوله، ومنّه، ويمنه، والسلام.
[الوزير الكاتب أبو محمد ابن عبد الغفور رحمه الله تعالى]
قد كنت نويت ألا أثبت له ذكرا، ولا أعمل فيه فكرا، وادعه مطرحا، وأقطعه الإهمال مسرحا، لتهوره، وكثرة تقعره، فإنه بادي الهوج، واعر المنهج، له ألفاظ متعقدة، وأغراض غير متوقدة، لا يفك معماها، ولا يعلم مرماها، مع نفس فاسدة الاعتقاد، ثابتة الأحقاد، تتنكد بالأفراح، وتحسد حتى على الماء القراح، وتغصّ بفارس يراعة وتتربض الدوائر بحامل براعة، إلى لسان لا ينطق إلا هجرا، وأجفان لا ترمق من توقد الحقد فيها فجرا، فهي ترعى الظلم مكان الأنوار، وتود أن ترى النجاد كالأغوار، أستغفر الله ألا نظمه فربما ألمّ فيه بالبدائع إلماما، وملك لها زماما، وصرف فيها لسانا صناعا، وأسأل لها بالمحاسن تلاعا، وله سلف نبيه أعقله في حبالة هذا الديوان، وألحقه بأعيان الأوان، وربما نذرت في نثره ألفاظ سهلة الفرض، مستنبلة الغرض، سلسة القياد، وارية الزناد، تقرب مما جمعت، وتمتزج بما روّقت وشعشعت، لئلا أكون ممن قصد إغفالاً واعتقد إخمالاً وتعصب باطلاً، وترك مكان الحلي عاطلاً، فقد علم الله أني انحرف عن التعليل وأغفر الكثير للقليل، وأتغافل في الهنات لذوي الهيئات واخذ الحسنة من أثناء السيأت، وقد أثبت له ما شذ من إبداعه، ولم أبخل بتضمينه في هذا التصنيف وإيداعه، ورفضت كثيراً من كلامه فقليلاً ما يتوضح فجر إحسانه في ظلامه، فمما انتخبت له قوله يمدح لأمير يحيى بن سير