ليرعاك منّي مشفق ذو حفيظة ... عليك إذا لم يرعك الذئب والنسرُ
نجز خبر المتوكل بحمد الله
[المعتصم بالله أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح رحمه الله]
ملك أقام سوق المعارف على ساقها، وأبدع في انتظام مجالسها واتساقها، وأوضح رسمها، واثبت في جبين أوانه وسمها، لم تخل أيامه من مناظرة، ولا عمرت إلا بمذاكرة أو محاصرة، إلا ساعات أوقفها على المدام، وعطلها من ذلك النظام، وكانت دولته مشرعاً للكرم، ومطلعاً للهمم، فلاحت بها شموس، وارتاحت فيها نفوس، ونفقت فيها أقدار الأعلام، وتدفقت بحار الكلام، كإجادة ابن عمار وإبداعه، في قوله معتذراً من وداعه: طويل
دعتني المطايا للرحيل وإنّني ... لأفرق من ذكر النوى والتفرقِ
وإنّي إذا غرّبتُ عنك فإنمّا ... جبينك شمسي والمريّة مشرقي
هذا على انكماش ولايته، وقلة جبايته، فإن نظرة لم يزد على امتداد ناظر، ولم يجد الغمام منه على يانع ولا ناضر، لأن أكثره منابت شيح، ومهامه فيح، استغفر الله إلا ضفتي نهر بجاية الممتد كالحبل، المستمد من الطل والوبل، فإن في جانبيه كاتساع الشبر، ما يفي بانتجاع ورق ولا تبر، فاقتصر هو على صمادحيته البديعة، وقصبته المنيعة، واشتغل بترميق أساطيله، وتنميق أباطيله، لم تمتد همته إلى مزاحمة ملك في ملكه، ولم يزد على مراعاة أمر جواريه وفلكه، ولا انتقل إلا من مجلس مدارسة، إلى مكنس موانسة، فكثيراً ما كان يعمر أندية اللهو، ويداولها من مجلس الحافة إلى البهو، كلاهما سري المنظر، قمري المرمر، وكان له نظم أرج النفحة، بهج الصفحة، يصف به مجالس إيناسه، ويصرفه بين ندمائه وكاسه، ولم يزل كذلك إلى ان نازلته المحلات، وطاولته المحلات، ففاضت نفسه في أثناء منازلتهم جزعاً، وذهبت روحه مقسماً بالأنكاد موزعاً، ونغصت عليه منيته حتى ما كان يلتفت إلا إلى رهج يغشاه، ولا يصيخ غلا إلى رجة تقلقل حشاه، فأكثر القتال أنما كان تحت مجلسه الذي كان به مضجعه، وفيه تألمه وتوجعه، ولقد أخبرني من سمعه يقول وقد علمت أصواتهم، وتقلقلت لغاتهم، نغص علينا كل شيء