أما هواك فلم نعدل بمنهله ... شربا وإن كان يروينا فيظمينا
لم يخف أفق جمال أنت كوكبه ... سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا اختيار تجنبناك عن كثب ... لكن عدتنا على كره عودينا
ناسى عليك إذا حثت مشعشعة ... فينا الشمول وغنانا مغنينا
لا أكواس الراح تبدي من شمائلنا ... سيما ارتياح ولا أوتار تلهنا
دومي على العهد ما منا محافظة ... فالحر من دان إنصافا كما دينا
فما ابتغينا خليلا منك يحسبنا ... ولا استفدنا حبيبا عنك يغنينا
ولو صبا نحونا من علو مطلعه ... بدر الدجا لم يكن حاشاك يصبينا
ولى وفاء إن لم تبذلي صلة ... فالذكر يقنعنا ولطيف يكفينا
وفي الجواب ناع لو شفعت به ... بيض الأيادي التي ما زلت تولينا
عليك مني سلام الله ما بقيت ... صبابة منك تخفيها فتخفينا
[ذو الوزارتين أبو بكر بن عمار رحمه الله وعفا عنه بمنه]
مقذف حصى القريض وجماره، ومطلع شموسه وأقماره، الذي بعث الإحسان عرفاً عاطرا ونفسا، وأنبته في شفاه الأيام لعسا، أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، ثم كسي بعد إشراقا ونورا، فأصبح راقي منبر وسرير، ولمح ما شاء بطرف غير ضرير، هيا له السعد أن عمر ربعا محيلا، صور في صورة الحقيقة مستحيلا، واصطفاه العدو، فاتفق به السكون والهدو، تهالك فيه كلفا وهياما، وأمطره من الخطوة غماما، واهتصر منه موادعة وايتلافا، استدر بهما الملوك أو أنه أخلافا، فارتاعت منه الأقطار، وطاعت له اللبانات والأوطار، حتى رأس بتدميره، وجلس مجلس الأمير، ثم رأى أن ينتزي عن موليه، ويجتزي بتوليه، فأخذه الله بغدره، وأعان على وضعه رافع قدره، فحصل في قبضة المعتمد قنيصا، وعاد معنى خلاصة مبهما عويصا، إلى أن طوقه الحسام فما استلانه طوقا، وذوقه الحمام فما استعذبه ذوقا، في قصة اشتهرت مع أخفائها، وظهرت بعد عفائها، فإنه قتله بيده، وأنزله ليلا في ملحده، ولقد رأيت عظمي ساقيه قد أخرجا بعد سنين من حفر حفر في جانب القصر المبارك وأساودهما بهما ملتفة، ولبلتهما مشتفة، ما فغرت أفواهها، ولا حلت التواءها، فرمق الناس العبر،