فكري، وعندما كنت أعزم عليه في جمع ماله من بديع، وإهداء لمع من ذلك الصديع، فيسدل دون ذلك حجابا، ولا يولي به ايجابا، فلم أزل ألح عليه إلحاحا، وأقتدح من إيجابه زندا واريا يعود لي في ذلك شحاحا، حتى كتب إلي، الكتابة اعز الله الشريف الماجد ميدان لا يضمر إلا أفراس الرهان، ولا تسابق فيه الأجياد الفرسان، ولا يعزف فيه بالعتق إلا من حاز قصب السبق، فكيف بالهملاج المقتاد، مع الفرس الجواد، وأني للسكيت إذا ركض، مع السابق إذا نهض، كلا وان أبا نصر ناظم سلك البلاغة، وقائد زمام البراعة سحبان في زمانه، وقس في أوانه، وابن المقفع في مكانه، والجاحظ في بيانه إذا أوجز أعجز وإذا شاء أطال وأطلق من البلاغة العقال: وأني من ذلك سحرا حلالا، وسقاه عذبا زلا، لا أصل للكتابة أصولا، وفصل أبوابها تفصيلا، وحصل أغراضها تحصيلا، فلسان الشاهد منه يقول: وافر
تنسمت الكتابة عن نسيمِ ... نسيم المسك في خلق الكريمِ
أبا نصر وسمت لها وسوما ... تخال وشومها وضح النجومِ
وقد كانت عفت فأذرت منها ... سراجا لاح في اليل البهيمِ
فتحت من الكتبة كل باب ... فصارت في طريق مستقيمِ
فكتاب الزمان ولست منهم ... إذا راموا مرامك في همومِ
فما قسّ بأبرع منك لفظا ... ولا سبحان مثلك في العلومِ
لا غرو أعزك الله من تقصير، فالكل في ميدانك قصي، ولكنها صبابة من نهرك، وثمد من بحرك، أخرجها صميم ودك، وأبرزها صريح عقدك، ومذلك طوى عليها كشحا، وأعرض عن صفحاتها صفحا، وقبلها من باب الصفا، وحنا عليها من جانب الإخاء، واتلله تعالى يبقيك ويبارك للأخوان فيك، بقدرته وعزته.
[الفقيه الإمام الحافظ أبو بكر بن عطية رحمه الله]
شيخ العلم وحامل لوائه، وحافظ حديث النبي صلى اله عليه وسلم وكوكب سمائه، شرح الله لتحفظه صدره، وطاول به عمره، مع كونه في كل علم وافر النصيب، مباشرا بالمعلى وبالرقيب، رحل إلى المشرق لأداء الفرض، لابس برد من العمر الغض، فروى وقيد، ولقي العلماء وأسند وأبقى تلك المأثر وخلد، نشأ في بنية كريمة، وأرومة من الشرف غير مرومة، لم يزل فيها على وجه الزمان أعلم علم،