سقياً لعهد خليط لست أذكره ... ألا حننت كما قد حنت الهيم
مهما تنسمت من تلقائه نفسا ... شوقاً تحدر من عيني تسنيم
فالنفس من بعد جمر له صفة ... ميم وواو وجيم بعدها جيم
عسى الليالي بسعد الملك تنظماً ... إن أنصف الدهر والإنصاف معدوم
[الوزير الكاتب أبو محمد بن القاسم رحمه الله]
رجل زهت به السياسة والتدبير، وجبل دونه يلملم وثبير، ووقار، لا يستفز ولو دارت عليه العقار، إذا كتب باهت البدر رقعته، وقرطست أفئدة المعاني نزعته، وضعته الدولة في مفرقها، وأطلعته في مشرقها، فاظهر جمالها، وعطر صباها وشمالها، فسهل لراجيها حزنها، وصاب بأحسن السير مزنها، واتضح بشرها، ونفح بعرف الأماني نشرها، وجادت يده بالحيا، وعادت به أيام الفضلبن يحيى، إلا أن الأيام أتقته، فما أبقته، وخشيه مكرها، فغشيه نكرها، فتخلت عنه الدولة تخلي العقد عن عنق الحسناء، وأعرضت عنه إعراض النسيم عن الروضة الغناء، وإنها لعالمة بسنائه، وهايمة بغنائه، ولكن الزمان لا يريد شفوفاً، ولا يرى أن يكون بالفضائل محفوفاً ويقيم مقام درياق سفوفاً، وهو اليوم قد انقبض عن أنواع الناس وأجناسهم، واستوحش من إيناسهم، وأنس بنتائج أفكاره، وهم بعيون العلم وأبكاره، وكلف بفنونه، وتصرف من سهوله إلى حزونه، ونبذ الدنيا نبذ النواة، وانتبذ من ملابسة الغواة، وصرف وجهه تجاه لبر والتقوى، وترك ربع الحظوة عافياً قد أقوى، وعلم أن الله به حفي، وأنه له صفي، وحين أعلقه بأسبابه، وصرفه عن باب الملك إلى بابه، وقد أثبت من نثره المنتخب، ونظمه المستحلى المستعذب، ما تعاطيه مدامة، ولا يدانيه قدامة، فمن ذلك ما راجعني به عن رقعة كتبها إليه مودعاً ووصفت فيها النجوم، عذيري من ساحر بيان، وناثر جمان، ومظاهر إبداع وإحسان، ما كفاه أن اعتام الجواهر اعتياماً، وجلاها في أبهج مطالعها نثراً ونظاماً، حتى حشر الكواكب والأفلاك، وجندها تحوى كتائب من هنا وهناك، وقدماً حمل لواء النباهة، وأعجز أدواء البداهة، فكيف بمن بكل حتى عن الروية، ورقض الخطابة رفضاً غير ذي مثنوية، وليس الغمر كالنزر، ورويدك أبا النصر، فما سميت فتحاً لتفتح علينا أبواب المعجزات، ولا مليت سروا لترتقي علينا إلى الأنجم الزهرات،