[الوزير الفقيه صاحب الأحكام أبو محمد عبد الله بن سماك رحمه الله تعالى]
هو وأخوه أبو عمر فرقدان متوقدان، وسراجان وهاجان، وفرعا مجد، ونبعا نجد، ولا وهد، ما منهما غلا أغر وضاحا، يوضح المشكلات ايضاحا، ولهما سلف تقصر عن مداناته الأقدار، وشرف تمكن منه القطب المدار، وتولى الفقيه أبو محمد الأحكام فأقالها، ووضع في يد التقوى عقالها، وحماها بأسنة من العدل وشفار، وأرادها وجه الديانة كالصبح عند الأسفار، همام إذا لقي، غمام إذا استسقي فإن احتفى جاد، وان اصطفى كان كالصارم والنجاد، مهلاب، مع تواضعه، وهاب، يضع العرف احتفى مواضعه، لا يستزل في حقيقة، ولا يستنزل عنها بملك النعمان ابن الشقيقة، وله علم كاللجة إذا اضطربت أمواجها، والكتيبة إذا تحركت أفواجها، وأدب كالروض غب المطر، ومذهب كالنسيم هب على الروض وخطر، وقد أثبت من نثره المبتدع، ونظمه الذي يوضع في النفوس ويودع، ما تستحليه، وتقلده الأوان وتحليه، فمن ذلك قوله يصف الروض، كامل
الروض مخضرّ الربى متجمّل ... للناظرين بأجمل الألوان
فكأنمّا بسطت هناك شوارها ... خود زهت بقلائد العقيانِ
وكأنمّا فتقت هناك نوافج ... من مسكة عجنت بصرف البانِ
والطير تسجع في الغصون كأنمّا ... نقر القيان حنّت على العيدانِ
والماء مطّرد يسيل عبابه ... كسلاسل من فضّة وجمانِ
بهجات حسن أكملت فكأنّها ... حسن اليقين وبهجة الإيمانِ
ولما حللت غرناطة جاورته فكان لي كجار أبي ذؤاد، سقاني حتى أروى كل ضما وجواد، وأحلني من مبرته بين ناظر وفؤاد، ووالى من أتحافه، وضروب ألطافه، ما حسبتني به مفطوما يعلل عن الفطام، ورأيت الأماني مجنوبة إلي في خطام، وكنت كثيراً ما أجالسه فاقطف من موانسته أعبق نور، وأخالني بمجالسته جليس قعقاع بن شور، ولا أزال بين جني للبدائع وقطاف، وأعاطي أحاديث مستعذبات النطاف، وعندما ينشرح صدر انبساطه ويشرح بنشر الاسترسال ومد بساطه، استنشده لنفسه فينشدني كل سحر حلال، ويعلني منه بسلسال زلال، فيعلق سريعا بحبالة ذكري، وكم كنت احمل قول سواه ضغثا على أبالة