وغيم جوها، والغمام منهمل، والثرى من سقياه ثمل، فبسطني يتحفيه، وابهجني ببر لم يزل يتممه ويوفيه، وأنشدني: بسيط
يوم تجهّم فيه الأفق وانتشرت ... مدامع الغيث في خدّ الثرى هملا
رأى وجومك فارتدّت طلاقته ... مضاهيا لك في الأخلاق ممتثلا
وكتب يستدعي إلى مجلس انس، يومنا أعزك الله يوم قد نقبت شمسه بقناع الغمام، وذهبت كاسه بشعاع المدام، ونحن من قطار الوسمي، في رداء هدي، ومن نضير النوار على نظائر النظار، ومن بواسم الزهر، في لطائم العطر، ومن غر الندمان بين زهر البستان، ومن حركات الأوتار، خلال نغمات الأطيار، ومن سقات الكؤس، ومعاطي المدام، بين مشرقات الشموس، وعواطي الأرام، فرأيك في مصافحة الأقمار، ومنافجة الأنوار، واجتلاء غرر الظباء الجوازي، وانتقاد درر الغناء الحجازي، موفقا أن شاء الله تعالى.
[ذو الوزارتين الكاتب أبو عبد الله بن أبي الخصال أعزه الله]
حامل لواء النباهة، الباهر بالروية والبداهة، مع صون ووقار، وشيم كصفو العقار، ومقول أصفى من ذي الفقار، وله أدب بحره يزخر، ومذهب يباهي به ويفخر، وهو وأن كان خامل المنشأ نازله، لم ينزله المجد منازله، ولا فرع للعلاء هضابا، ولا ارتشف للسناء رضابا، فقد تميز بنفسه، وتحيز من جنسه، وظهر بذاته، وفخر بادواته، والذي الحقه بالمجد، وأوقفه بالمكان النجد، ذكاء طبع عليه طبعه، ونجم في تربة النباهة غربه ونبعه، وتعلق بأبي يحي بن محمد بن الحاج وهو خامل الذكر، عاطل الفكر، فملك قياد ما موله، وهب من مرقد خموله، وقدح استعماله أياه زناد ذكائه، وأبدى شعاع ذكائه، ولم يزل عاثراً معه ومستقلاً، ومثريا حينا وحينا مقلا، إلى أن تورطوا في تلك الفتنة التي الفحو حائلها، وما لمحوا مخائلها، وطمعوا أن يغتالوا من أمير المسلمين ملكا معصوما، وأبرموا من كيدهم ما غدا بيد القدر مفصوما، وفي أثناء بغيهم، وخلال حربهم الوبيل وسعيهم، كانت ترد عليهم من قبله أيده الله كتب تحل ما ربطوه، وتروعهم مما تابطوه، فلم يكن لهم بد من أدنائه، لحسن منابه في المراجعة عنهم وغنائه، فورد عليهم ليلة كتاب راعهم، وأنساهم جلادهم وقراعهم، وهم بمجلس أنس فصحوا من حمياه، ومحوا منه عبق الأنس ورياه فاستدعاه في ذلك الحين للمراجعة