حمدت مصادرها وموارها، وإذ قد تسببت لي أسبابها، فلا أقطعها، وغذ قد انفتحت بيننا أبوابها، فلا ادعها، وأنا أستدعيك مثل هذا إذا أسفر لك وطر، وعن لك أمر، فأني متطلع إلى أخبارك أراعيها، وحريص على أوطاك، أقضيها، ومستمطر لكتبك الكريمة اجتليها، وأشاهد نعم الله منها وفيها، فمذ صدر عني فلان لم أتلق لك خبرا، ولم الحظ من تلقائك أثراً، وذلك لا محالة لامتناع البحر وارتجاجه، وتعذر المسلك وارتتاجه، وإذ قد ذل صعبه لراكب، وهان خطبه على هائب فإنا اعتقد أن كتابك بأزاء كتابي، وخطابك سيلقى خطابي، ولما تهيا سفر فلان ضيفنا سلمه الله إلى الأفق الذي أنت عماده، والقطر الذي بيدك زمامه وقياده، وقد تقدمه فيك أمل قد استشعره وشكر لك قد بثه ونشره، أصحبته كتابي هذا مجدداً عهدا، ومهديا عنه حمدا، فإنه ما دخل تارة إلينا، ولا تكرر ثانية علينا، إلا وذكرك الجميل في فمه يديه ويعيده وأثرك الحسن عليه يلهج به ويشيده، يتلو بذلك كله معاقدته المحمودة، ومحافله المشهودة، في شكر الأمير الأجل أخيك أطال الله بقاءه والإشادة بتعظيم أمره، وتفخيم قدره، فإنه لا يغدو عندنا غلا باسمه، ولا يناضل إلا بسهمه، ولا يجاهد إلا عنه، ولا يحتسب إلا فيه، ومن جرى على البعد هذا المجرى، وشكر شكره النعمى، فحقيق بالأنعام، خليق
بالإكرام، وقد استضاف إلى هذه الحقوق التي مثلها رعي، وشبهها قضي انه ضيف لي، وأثر ما عندي، اختصه بأتم العناية، واعتمده بإحمد الرعاية، وأشفع له الشفاعة الحسنة، واستظهر له المعونة التامة والمشاركة البينة، وأنت بفضلك تلقى أمله بالتحقيق، ورجاءه بالتصديق، وتصل فضلك عليه حتى يكون قليبا يروي وسقاء يشفي ووردا ينهل، وسبباً يتصل، أن شاء الله عز وجل.
[الوزير الكاتب أبو الفضل بن حسداي]
سابق فبرز، وأحرز من البلاغة ما أحرز وجرى في ميدانها إلى أبعد أمد، وبنى أغراضها بالصفاح والعمد، فغبر وجوه سوابقها، وظهر أما وجيهها ولاحقها، إذا كتب انتسب إليه السحر اصح انتساب، ونسق المعجزات نسق حساب، ورأى البدائع بيض الوجوه كريمة الأحساب، وقد كانت المذمة تقعده عن مراتب أكفائه، وتجد في ظموس رسمه وعفائه، وتصرفه تصريف المهيض وتقعده في ذلك الحضيض، حتى ألحقه الله باقرانه، واقاله من متجر خسرانه،