فتطهر من تلك السمة، واستظهر بعقيدته التي قيدت في ديوان الحق مرتسمة، وبدت محاسنه سافرة القناع، كافرة بذلك الدين الذي عدل بها من الإقناع، وقد أثبت له من ذلك مالا يرجى له لحاق، ولا يغشي تمامه محاق، فمنها هذه القطعة التي أطلعها نيرة، وترك الأباب بها متحيرة، في يوم كان عند المقتدر بالله مع علية، قد اتخذوا المجد حلية، والأمل قد سفر لهم عن محياة، وعبق لهم رياه، فصافحه الكل منهم وحياه، وشمس الراح، دائرة على فلك الراح، والملك ينشر فضله، وينثر وأبله وطله، يسدي العلاء، ويهب الغنا والغناء، فصدحت الغواني، وأفصحت المثالث والمثاني، بما استنزل من موقف الوقار، وسرى في النفوس مسرى العقار. بسيط
توريد خدّك للأحداق لذّاتُ ... عليه من عنبر الأصداغ لاماتُ
كأنّما الراح والراحات تحملها ... بدور تمّ وأيدي الشرب هالاتُ
حشاشة ما تركنا الماء يقتلها ... إلا لتحيا بها منّا حشاشاتُ
قد كان في كاسها من قبلها ثقل ... فخف إذ ملئت منها الزجاجات
عهد للبني تقاضته الأمانات ... بانت وما قضيت منها لباناتُ
يدني التوهّم للمشتاق منتزحا ... من الأمور وفي الأوهام راحاتُ
تقضى عدات إذا عاد الكرى وإذا ... هبّ النسيم فقد تهدى تحيَّاتُ
زور يعّلل قلب المستهام به ... دهرا وقد بقيت في النفس حاجاتُ
لعلّ عتب الليالي أن يعود إلى ... عتبي فتبلغ أوطار ولذّاتُ
حتّى نفوز بما جاد الخيال به ... فرّبما صدقت تلك المناماتُ
ولما أعرس المستعين بالله ببنت الوزير الأجل أبي بكر عبد العزيز احتفل أبوه المؤتمن بالله في احتفالاً شهره، وأبدع فيه أبداعاً راق من حضره وبهره، فإنه أحضر فيه لآلات المبتدعة، والأدوات المخترعة، ما بهر الألباب، وقطع دون معرفتها الأسباب، واستدعى إليه جميع أعيان الأندلس من دان وقاص، ومطيع وعاص، فأتوه مسرعين ولبوه متبرعين، وكان مدير تلك الأراغة ومدبرها، ومشي مخاطباتها ومحبرها، الوزير الكاتب أبو الفضل وصدرت عنه في ذلك الوقت كتب ظهر أعجازها، وبهر أقتضابها وإيجازها،