فمن ذلك ما خاطب به صاحب المظالم أبا عبد الرحمن بن طاهر، محلك أعزك الله في طي الجوانح ثابت وأن نزحت الدار، وعيانك في أحناء الضلوع باد وأن شحط المزار، فالنفس فائزه منك بتمثيل الخاطر بأوفر الحظ، والعين نازعة إلى أن تمتع من لقائك بظفر اللحظ، فلا عائدة أسبغ بردا، ولا موهبة أسوغ وردا، من تفضلك بالحقوق إلى مانس يتم بمشاهدتك التام، ويتصل، بمحاضرتك انتظامه، ولك فضل الإجمال، بالأمتاع من ذلك بأعظم الآمال، وأنا أعزك الله على شرف سوددك حاكم، وعلى مشرع سنانك حائم، وحسبي ما تتحققه من نزاعي وتشوقي، وتتقنه من تطلعي وتتوقي، وقد تمكن الارتياح، باستحكام الثقة، واعتراض الانتزاح، بارتقاب الصلة، وأنت وصل الله سعدك بسماحة شيمك، وبارع كرمك تنشئ للموانسة عهداً، وتوري بالمكارمة زنداً، وتقتضي بالمشاركة شكراً حافلاً وحمداً، لازلت مهنئاً بالسعود المقتبلة، مسوغاً اجتلاء غرر الأماني المتهللة، بمنه، وله مراجعاً للوزير أبي محمد بن سفيان بقطعة منها: كامل
قابلت بالعتبى كتابك حافظاً ... للعهد حفظ العينِ بالأجفانِ
وبسطت أوضح من زياد عذرة ... لو لم تكن أقسى من النعمانِ
أسقيك عذبا بارداً وسقيتني ... إذ جاش حميك من حميم أنِ
أعضبت جهلا أن نسبت إلى الصبا ... فأفرح فإنك منه في ريعانِ
وركب المستعين بالله يوماً نهر سرقسطة يريد طراد لذته، وارتياد نزهته، وافتقاد أحد حصونه المنتظمة بلبته، واجتمع له من أصحابه، من أختصه لاستحابه، وفيهم أبو الفضل مشاهداً لأنفراجهم، سالكاً لمناهجهم، والمستعين قد أحضر من آلات أيناسه، وأظهر من أنواع ذلك وأجناسه، ما راق من حضر، وفاق حسنه الروض الأنضر، والزوارق قد حفت به، والتفت بجوانبه، ونغمات الأوتار تحبس السائر عن عدوه، وتخرس الطائر المفصح بشدوه، والسمك تثيرها المكائد، وتغوص إليها المصائد، فتبرزها للعين، قبضان در وسبائك لجين، والراح لا يطمس لها لمع، ولا يجنس منه بصر ولا سمع، والدهر قد غضت صروفه، واقتض من منكره معروفه، قال: بسيط
لله يوم أنيق واضح الغررِ ... مفضض مذهب الأصال والبكرِ