بدوراً، وسعروا بالجوى صدوراً، وغدوا صرعى تسفي عليهم الشمال، وتنفي منهم الآمالا، مجدلين على وجه الأرض، معفرين إلى يوم النشور والعرض، وقد توسدوا التراب بدلاً من الآرائك، وتضرجوا بالدماء بعد التضمخ بالمسك الصائك، وغدا مضرعهم من نجيعهم أحمر، كأنهم ما أعملوا أبيض ولا أسمر، وأرس الجلباب، غير انس الجناب، لا يطرقه إلا سبع أو ذيب، ولا يرمقه إلا تخيل للقلوب مذيب، وصارت في لحومهم للسباع ولائم، وعلى دمائهم من النسور حوائم، وطالما وردوا للمنى مناهل، ووجدوا الديار بها أواهل، وركبوا الجياد وجنبوها، وشهدوا الأعياد فوزينوها، ورقمت أوامرهم بطون المهارق، وتحكمت بواترهم في الطلى والمفارق، وطوقت مواهبهم الأعناق، وأغصت مهابتهم الجفون والأحداق، فمزقوا وما حضرهم أنيس، ولا أذهب إيحاشهم تانيس، وباتوا لم يطلب لهم بثار، ولا انتظم شملهم بعد الانتثار. أخبرني أحد قاتليه أنه رغيب في تقديم ولديه، بين يديه، ليحتسبهما حسنة تمحو بعض ذنبه، وكانا كوكبي رياسته، ووارثي نفاسته، فتقدما للحمام، وطلعا من ثنيته بدري تمام، وبدا منهما من الجلد، في ذلك الموطن الأنكد، ما حير قاتلهما وستر عنه مقاتلهما، ثم أمر عليهما غرارة، وساق الردى إلى تمامهما سراره، وقام المتوكل عند صرعتهما، مختبلاً من لوعتهما، ليصلي وقد أفرط في ملامه، وتشطط في كلامه، واختلط افتتاحه بسلامه، فبادروه بأسنتهم في الصلوة، وناهشوه مناهشة الطير لقتيل الفلاة، حتى خر لا لسجود، واستلقى لغير هجود، وهي الأيام هذه شيمها، تسيء وإن همت بالإحسان ديمها، أفقرت شعب ودان، وعفرت ملك غمدان، وأظفرت الحمام بعبد المدان، وفرقت عن مكنس رامة ظباءة، ورمت بسطام بن قيس مخر على الالآءة، ومزقت أبني بدر بجفر الهباءة، وقد رثاهم الوزير أبو محمد ابن عبدون عظيم ملكهم، ونظيم سلكهم، بقصيدة اشتملت على كل ملك قتل، وأشارت إلى من غدر منهم وختل، تكبرها المسامع، ويعتبر بها السامع، وهي: بسيط
الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الشباح والصورِ
أنهاك أنهاك لا ألواك معذرة ... عن نومة بين ناب الليث والظفرِ
فالدهر حرب وإن أبدا مسالمةً ... والبيض والسمر مثل البيض والسمرِ