بالحير عابسة هناك غمامة ... لا تضاحك أذخراً وجليلا
يوماً وليلاً كان ذلك كلّه ... سحراً وهذا أبكرة وأصيلا
لا أدركت تلك الأهلة دهرها ... نقصاً ولا تلك النجوم أفولا
الحير الذي ذكره هنا هو حتر الزجالي خارج باب اليهود بقرطبة الذي يقول فيه أبو عامر بن شهيد: متقارب
لقد أطلعوا عند باب اليهو ... د شمسا أبي الحسن إن تكسفا
تراه اليهود على بابها ... أميراً فتحسبه يوسفا
وهذا الحير من أبدع المواضع وأجملها، وأتمها حسناً وأكملها، صحنه مرموصاً في البياض، يخترقه جدول كالحية النضناض، به جابية، كل لجة فيها كابية، وقد قرنست بالذهب واللازورد سماؤه، وتأزرت بهما جوانبه وأرجاءه، والروض قد اعتدلت أسطاره، وابتسمت من كمائمها أزهاره، ومنع الشمس أن ترمق ثراه، وتعطر النسيم بهبوبه عليه ومسراه، شهدت به ليالي وأياما كأنما تصورت من لمحات الأحباب، أو قدت من صفحات أيام الشباب، وكانت لأبي عامر بن شهيد به فرج وراحات أعطاه فيها الدهر ما شاء، ووالى الصحو والانتشاء، وكان هو وصاحب الروض المدفون بازائه اليفي صبوة، وحليفي نشوة، عكفا فيه على جريالهما، وتصرفا بين زهرهما واختيالهما، حتى رداهما الردى، وعداهما الحمام عن ذلك المدى، فتجاورا في الممات، تجاورهما في الحيرة، وتقلصت عنهما وارفات تلك الفيئات، وإلى ذلك العهد أشار وبه عرض، وبشوقه صحح وما مرض، حيث يقول عند موته يخاطب أبا مروان صاحبه وأمر أن يدفن بازائه ويكتب على قبره: بسيط مجزوء