للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسه لأقراء علوم النحو، وقنع بتغييم جوة بعد الصحو، وله تحقق في العلوم الحديثة والقديمة، وتصرف في طرقها القويمة، ما خرج بمعرفتها عن مضمار شرع، ولا نكت عن أصل للسنة ولا فرع، وتوليفه في المشروحات وغيرها صنوف، وهي اليوم في الآذان شنوف، وقد أثبت له ما يريك شفوفه، وتجد على النفس خفوقه، فمن ذلك قوله في طول اليل: طويل

ترى لينا شابت نواصيه كبرة ... كما شبت أم في الجوروض نهارِ

كأنّ الليالي السبع في الأفق علّمت ... ولا فصل فيما بينهما بنهارِ

وأخبرني انه حضر مع المأمون بن ذي النون في مجلس الناعورة بالمنية التي تطمح إليها المنى، ومرآها هو المقترح والمتمنى، والمأمون قد اجتبى وأفاض الحبا، والمجلس، يروق كان الشمس في أفقه، والبدر في مفرقه، والنور عبق، وعلى ماء النهر مصطبح ومغتبق، والدولاب يئن كناقة أثر الحوار، أو كثكلى من حر الأوار والجو قد عنبرته أنواؤه، والروض قد رشته أمطاره وأنداؤه، والأسد قد فغرت أفواهها، ومجت أمواهها، فقال: منسرح

يا منظرا أن نظوت بهجته ... أذكرني حسنه جنّة الخلدِ

تربة مسك وجوّ عنبرة ... وغيم ندّ وطشّ ما وردِ

والماء كاللازورد قد نظمّت ... فيه اللئالي فواغر الأسدِ

كأنّما جائل الحباب به ... يلعب في جانبيه بالنردِ

تخاله أن بدأ قمرا ... تمّا بدا في مطالع السعدِ

كأنّما ألبست حدائقه ... ما حاز من شيمة ومن مجدِ

كأنّما جادها فروضّها ... بوابلٍ من يمينه رغدِ

لا زال في عزّة مضاعفة ... ميمّم الرفد واري الزندِ

وله رقعة يصف فيها هذا التصنيف تأملت فسح الله لسيدي ووليي في أمد بقائه.

كتابه الذي شرع في أنشائه، فرأيت كتاباً سينجد ويغور، ويبلغ حيث لا تبلغ البدور، وتبين به الذرى والمناسم، وتغتدي له غرر في أوجه ومواسم، فقد اسجد الله الكلام لكلامك، وجعل النيرات طوع أقلامك، فأنت تهدي بنجومها، وتردي برجومها، فالنثرة من نثرك، والشعرى من شعرك والبلغاء لك معترفون، وبين يديك متصرفون، وليس يباريك مبار، ولا يجاريك إلى

<<  <   >  >>