للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسمت صفحات المهارق غرره، وانتظمت بلبات المغارب والمشارق درره، أن نطق رأيت البيان منسربا من لسانه، والإحسان منتسبا لإحسانه، حوى العلوم وحازها، وتحقق حقائق العرب ومجازها، وروى قصائدها وأرجازها، وعلم أطالتها وإيجازها، وهو في الطب موفق العلاج، واضح المنهاج، وله نظم تزهى به نحور الكعاب، ويستسهل إلى سماعه سلوك الصعاب، وقد أثبت منه ما يجتليه، فتستحليه، وتمقله، فتنقله فمن ذلك قوله. كامل

أبدت لنا الأيّام زهرة طيبها ... وتسربلت بنضيرها وقشيبها

واهتزّ عطف الأرض بعد خشوعها ... وبدت بها النعماء بعد شحوبها

وتطلعت في عنفوان شبابها ... من بعد ما بلغت عتّي مشيبها

وقفت عليها السحب وقفة راحم ... فبكت لها بعيونها وقلوبها

فعجبت الأزهار كيف تضاحك ... ببكائها وتبشّرت بقطوبها

وتسربلت حللا تجرّ ذيولها ... من لدمها فيها وشقّ جيوبها

فلقد أجاد المزن في أنجادها ... وأجاد حرّ الشمس في تربيبها

ما انصف الخيريّ يمنع طيبه ... لحضورها ويبجه لمغيبها

وهي التي قامت عليه بدفئها ... وتعاهدته بدرّها وحليبها

فكأنّه فرض عليه موقّت ... ووجوبه متعلق بوجوبها

وعلى سماء الياسمين كواكب ... أبدت ذكاء العجز عن تغييبها

زهر توقّد ليلها ونهارها ... وتفوت شاو خسوقها وغروبها

فضلت على سير النجوم بأسرها ... وسرّوها في الخلفتين وطيبها

فتأرّجت أرجائها بهبوبها ... وتعانقت أزهارها بنكوبها

وتصوّبت فيها فروع جداول ... تتصاعد الأبصار في تصويبها

تطفو وترسيب في أصول ثمارها ... والحسن بين طفّوها ورسوبها

فكأنّما هي موجسات أساود ... تناسب من أنقابها للصوبها

فادر كؤس الأنس في حافاتها ... وأجعل سديد القول من مشروبها

فحديث اخوان الصفاء لذاذة ... تجنى ويمن من جناية حوبها

وأركض إلى اللذات في ميدانها ... وأسبق لسدّ ثغورها ودروبها

أعريت خليك صيفها وخريفها ... وشتائها هذا أوان ركوبها

<<  <   >  >>