للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تراه عسيراً أو يسيراً مناله ... إلا كلّ ما شاء الإله يسيرُ

وأول عيد أخذه باغمات وهو سارح، وما غير الشجون له مسارح، ولا زيّ إلاّ حالة الخمول، واستحالة المأمول، فدخل عليه من بينه، من يسلم عليه ويهنيه، وفيهم بناته وعليهنّ أطمار، كأنّها كسوف وهنّ أقمار، يبكين عند التسايل، ويبدين الخشوع بعد التخايل، والضياع قد غير صورهن، وحير نظرهن، وأقدامهن حافية، وأثار نعيمهن عافية، فقال: بسيط

فيما مضى كنتَ بالأعياد مسروراً ... فساءك العيد في أغمات مأسوراً

ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للناس ما يملكن قطميراً

برزن نحوك للتسليم خاشعة ... أبصارهنّ حسيرات مكاسيرا

يطأن في الطين والأقدام حافية ... كأنّها لم تطأ مسكاً وكافوراً

لأخدّ إلاّ تشكّى الجدبَ ظاهرهُ ... وليس إلاّ مع الأنفاس ممطورا

أفطرتَ في العيد لا عادت إساءته ... فكانَ فطرك للأكباد تفطيراً

قد كان دهرك إن تأمره متمثلاً ... فردّك الدهر منهيّاً ومأموراً

من بات بعدك في ملك يسرّ به ... فإنّما بات بالأحلام مغروراً

وأقام بالعدوة برهة لا يروع له سرب، وإن لم يكن آمناً، ولا يثور له كرب، وإن كان في ضلوعه كامناً، إلى أن ثار أحد بينه باركش معقلاً كان مجاوراً لإشبيلية مجاورة الأنامل للراح، ظاهراً على بسائط وبطاح، لا يمكن معه عيش، ولا يتمكن من منازلته جيش، فغدا بالمكاره على أهلها وراح، وضيق عليهن المتسع من جهاتها والبراح، فسار نحوه الأمير ابن أبي بكر رحمة الله عليه، قبل أن يرتد طرف استقامته إليه، فوجه وشره قد تشمر، وضره قد تنمر، وجمرة متسعر، وأمره متوعر، فنزل عدوته، وحل للحزم حبوته، وتدارك داءه قبل أعضاله، ونازله وما أعد آلات نضاله، وانحشرت إليه الجيوش من كل قطر، وأفرغ في مالسكه كل قطر، فبقي محصوراً لا يشد له إلا سهم، ولا ينفذ عنه إلا نفس أو وهم، وامتسك شهوراً حتى غرضه أحد الرماة فرماه، بسهم أصماه، فهوى في مطلعه، وخر قتيلاً في موضعه، فدفن إلى جانب سريره، وأمن عاقبة تغييره، وبقي أهله ممتنعين مع طائفة من وزرائه حتى اشتد عليهم الحصر، وارتد عنهم النصر، وعمهم الجوع، وأغب أجفانهم الهجوع، فنزلت منهم طائفة متهافتة، ورقت بأنفاس خافتة، فتبعهم من بقي، ورغب

<<  <   >  >>