للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسألنا متى اللقاء فقالوا الح ... شر قلنا صبر الله وحرنا

وكثيراً ما يغير هذا الرجل على معاني الشعراء، وينبذ الاحتشام من ذلك بالعراء، ويأخذها من أربابها أخذ غاصب، ويعوضهم منها كل هم ناصب، وهذا مما أطال به كمد أبي العلاء وغمه، فإنه من قوله يرثي أمه: [وافر]

فيا ركب المنون إلا رسول ... يبلغ روحها أرج السلام

سالت متى اللقاء فقيل حتى ... يقوم الهامدون من الرجامِ

ومما تخلص فيه، واخترع كثيراً من معانيه، قوله يندبه ويرثيه: [منسرح]

يا نازحاً لم تخطّ أرحله ... ولا جرى بالإياب سانحهُ

وهاجدا لو يجيب داعيه ... أيقض بالصهيل سابحهُ

وإن من لا تُحصى فضائله ... حربان لا تُحصى مدائحهُ

ولما أمكنت العدو بموته الفرصة، وارتفعت عنه الغصة، وزالت التقيه، واشتاق لملك البقية، سرى إلى سرقسطة سرى قيس لأهل الهباءة، وأسرع نحوها إسراع الحمام إلى التابي من حر الإباءة، وأقام عليها يمحور رونقها، ولا يالو استسلابا رمقها، حتى أعادها كالنظم الواهي النثير، ويويبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير، وما زال يورث أهلها كل هم كامل ويجدد كل كامن دخيل، ويغير جنات ممن أعناب وزرع ونخيل، حتى أصبحت كالصريم، وراح الفساد فيها لا يريم، فطاع له أهلها بحكم القسر، ورأوا الذمة أجدى من الغل والأسر، فملك منها معقلا يوم العقول، ويوهن وقع الصارم المصقول، وحين استباحها، وأدجى فجرها وصباحها، بحث عن قبر الأمير أبي بكر فمي عليه موضعه، وحُمي منه بالإنكار مضجعه، فدل عليه أحد المرتسمين بخدمته، المتسمين بنعمته، وأثار منه طود مجد وبحر ندى، وأعراه من ثراه بعد ما التحف بإحسانه وارتدى: [طويل]

ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضر كوضع السيف في موضع الندى

فأخرجه من مدفنه، وأبرزه من كفنه، وعاث في تلك الأشلا، ومزق منها ما قصرت عنه يد البلى، سيرة من أقبح السير، تنكرها نفوس الغير، وفي ذلك يقول: [خفيف مجزوء]

خلّ عيني كعهدها ... لبكاها وسهدها

إن بالثغر رمة ... سكنت غير لحدها

<<  <   >  >>