لتطفي ناراً أضرمت في نفوسنا ... فمثلىَ لا يقلى ومثلكَ لا يقلي
وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكياً ... فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي
فبادر إلى الأولى وإلاَّ فإنّني ... سأشكوك يوم الحشر للحكم العدلِ
وكان ابن الحضرمي وزيره فازدهى، واقتعد السهى، وعامل الناس أسوأ معاملة، وأعطاهم المقابحة عوضاً من المجاملة، وأهمل الحال التي علقها به وناطها، ودمرها عليه وما حاطها، ولما تجبر وعتا، وأتى من ذلك ما أتى، ظهر للمتوكل قبح أفعاله، واحتذائه بالنجم وانتعاله، فأقعده عن رتبته، وأبعده عن خدمته، فكتب إليه يستعطفه، فراجعه المتوكل، يا سيدي وأكرم عددي، الشاكي ما جنته يده لا يدي، ومن أسأل الله له التوفيق في ذاته، إذ حرمه في ذاتي، قرأت كتابك المتشكي فيه صدوري، وأعراضي عنك غاية مجهودي، نعم فإني رأيت الأمر قد ضاع، والأدبار قد انتشر وذاع، فأشفقت من التلف، وعدلن إلى ما يعقب إن شاء الله بالخلف، وأقبلت استدفع مواقع أنسي، وأشاهد ما ضيعته بنفسي، فلم أر إلا لحجاً قد توسطتها، وغمرات قد تورطتها، فشمرت عن الساق بلجمتها، وخدمت النفس بمهجتها، حتى خضت البحر الذي أدخلني فيه رأيك، ووطيت الساحل الذي كان يبعدني عنه سعيك، فنفسك لم، وبسوء صنيعك لذا واعتصم، وإن مت بجميل اعتقاد، ومحض وداد، فأنا مقر بغره، معترف بقله وكثره، ولكن كنت كالمثل شوى أخوك حتى إذا انضج رمد، وقد أطعمت في العدو، ولبست لأهل مصري الاستكبار والعتو، واستهنت بجيرانك، وتوهمت أن المروءة التزام زهوك وتعظيم شانك، حتى أخرجت النفوس على وعليك، فانجذب مكروه ذلك غليك، ومع ذلك فليس لك عندي إلا حفظ الحاشية، وإكرام الغاشية، ولما كتب الوزير أبو بكر بن القبطرنة مع بنت الحضرمي، وتأخر زفافها تأخراً أرقه، وأورى حرقه، واتفق أن نهض المتوكل إلى أرض الروم، لمنازلة أحد معاقلها وهو معه فأقام معه إلى أن فتحه، وأنهج له الظفر سعيه وأوضحه، فصدر والفتنة قد أنشبت أظفارها، وأعملت أسنتها وشفارها، وأغطشت ليلها، وأجالت في عراصه خيلها، فكتب إليه، ومملوكك قبل التهنئة: